و ثالثا: ليست البيعة جهة
تعليليّة للرضا لعدم تعقّل تعلّق الرّضا التّشريعي بالذّات، بل هي ترجع إلى جهة
تقييديّة فيكون المرضى هو العمل، أي: أنّ اللّه رضي عن بيعتكم. و عليه لا يثبت من
مثل هذا الرضا عدالة المبايعين و لا صداقتهم و لا بقائهم على إيمان حتّى الموت،
فإنّ قبول عمل عند اللّه لا يستلزم شيئا منها، فتأمّل.
نعم
إن قلنا: بأنّ رضائه تعالى ليس كرضانا، حيث هو من صفاتنا النّفسيّة لاستحالة كونه
تعالى جسما و جسمانيّا و محلّا للحوادث، فرضائه ثوابه، و غضبه و سخطه عقابه، و صحّ
كون البيعة جهة تعليليّة، و يناسبه قوله تعالى: ... وَ
أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً* وَ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها ...
لكنّه
أيضا لا يدلّ على وثاقة المرضيّين أو عدالتهم، بل مدلول الآية كلّه: انّ اللّه
أثاب المؤمنين؛ لأجل بيعتهم.
المستفاد
من الآية حسن حال السّابقين الأوّلين منهما، فإنّ رضائه تعالى عنهم لم يقيّد بعمل
خاصّ، و قد اشتهر إنّ حذف المتعلّق يفيد العموم، فما لم يدلّ دليل معتبر على كذب
آحادهم نبني على صدقهم؛ لأنّ الكاذب على اللّه و رسوله لا يكون مرضيّا للّه، و لا
موعودا لإعداد الجنّة له.
و
إذا وجد دليل على فساد بعضهم نقيّد إطلاق الآية أو نخصّص عمومها جمعا بين الأدلّة.[1]
نعم،
لا بدّ من إحراز إيمانهم، فإنّ المراد بالسّابقين- بمقتضى الانصراف ظاهرا-
السّابقون إلى الإيمان، دون الصحبة، إلّا أنّ يحتمل السّبقة إلى مجرّد الإقرار و
الانقياد، و هو الإسلام بالمعنى الأعمّ من الإيمان.
الثالث:
قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً .... و من كان هذه صفاتهم يبعّد
كذبهم و افترائهم على اللّه و رسوله، لكن ذيل الآية يوضح صدرها فيسقط الاستدلال
بها، و هو قوله: ... وَعَدَ
[1] . مرادنا من تقييد الإطلاق هو: ردّ كلّ خبر علم
كذبه من بعض هؤلآء الأصحاب، و مرادنا من التخصيص إخراج كلّ صحابي علم كذبه، و
الفرق بينهما غير خفيّ، إذ على الأوّل لا نقبل الخبر الكاذب من الصّحابي إذا علمنا
كذبه، و نقبل سائر أخباره، و إن شكّ في صدقها و كذبها عملا بإطلاق الآية. و على
الثّاني نخرج من علمنا كذبه في مورد من عموم الآية، و نردّ جميع رواياته لعدم
إحراز صدقه، ثمّ المراد بالسّابقين من سبق إلى الإيمان ظاهرا.