إلى ما باعَدَ مِن رِضاكَ، وَاغتِباطاً بِغُرورِ آمالِنا، وإعراضاً عَلى زَواجِرِ[1] آجالِنا، فَلَم يَردَعنا ذلِكَ حَتّى أتانا وَعدُكَ، لِيَأخُذَ القُوَّةَ مِنّا، فَدَعَوناكَ مُستَحِطّينَ لِمَيسورِ رِزقِكَ، مُنتَقِصينَ لِجَوائِزِكَ، فَنَعمَلُ بِأَعمالِ الفُجّارِ، كَالمُراصِدينَ لِمَثوبَتِكَ بِوَسائِلِ الأَبرارِ، نَتَمَنّى عَلَيكَ العَظائِمَ.
فَإِنّا للَّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ مِن مُصيبَةٍ عَظُمَت رَزِيَّتُها، وساءَ ثَوابُها، وظَلَّ عِقابُها، وطالَ عَذابُها، وإن لَم تَتَفَضَّل بِعَفوِكَ رَبَّنا فَتُبسَطَ آمالُنا، وفي وَعدِكَ العَفوُ عَن زَلَلِنا، رَجَونا إقالَتَكَ وقَد جاهَرناكَ بِالكَبائِرِ، وَاستَخفَينا فيها مِن أصاغِرِ خَلقِكَ، ولا نَحنُ راقَبناكَ خَوفاً مِنكَ وأَنتَ مَعَنا، ولَا استَحيَينا مِنكَ وأَنتَ تَرانا، ولا رَعَينا حَقَّ حُرمَتِكَ.
أي رَبِّ، فَبِأَيِّ وَجهٍ- عَزَّ وَجهُكَ- نَلقاكَ، أو بِأَيِّ لِسانٍ نُناجيكَ، وقَد نَقَضنَا العُهودَ بَعدَ تَوكيدِها وجَعَلناكَ عَلَينا كَفيلًا، ثُمَّ دَعَوناكَ عِندَ البَلِيَّةِ، ونَحنُ مُقتَحِمونَ فِي الخَطيئَةِ، فَأَجَبتَ دَعوَتَنا، وكَشَفتَ كُربَتَنا، ورَحِمتَ فَقرَنا وفاقَتَنا؟! فَيا سَوأَتاه ويا سوءَ صَنيعاه، بِأَيِّ حالَةٍ عَلَيكَ اجتَرَأنا؟! وأَيِّ تَغريرٍ بِمُهَجِنا غَرَّرنا؟!
أي رَبِّ، بِأَنفُسِنَا استَخفَفنا عِندَ مَعصِيَتِكَ لا بِعَظَمَتِكَ، وبِجَهلِنَا اغتَرَرنا لا بِحِلمِكَ، وحَقَّنا أضَعنا لا كَبيرَ حَقِّكَ، وأَنفُسَنا ظَلَمنا، ورَحمَتَكَ رَجَونا، فَارحَم تَضَرُّعَنا، وكَبَونا لِوَجهِكَ وُجوهَنَا المُسوَدَّةَ مِن ذُنوبِنا، فَنَسأَ لُكَ أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَن تَصِلَ خَوفَنا بِأَمنِكَ، ووَحشَتَنا بِانسِكَ، ووَحدَتَنا بِصُحبَتِكَ، وفَناءَنا بِبَقائِكَ، وذُلَّنا بِعِزِّكَ، وضَعفَنا بِقُوَّتِكَ، فَإِنَّهُ لا ضَيعَةَ عَلى مَن حَفِظتَ، ولا ضَعفَ عَلى مَن قَوَّيتَ، ولا وَهنَ عَلى مَن أعَنتَ. نَسأَ لُكَ يا واسِعَ البَرَكاتِ، ويا قاضِيَ الحاجاتِ، ويا مُنجِحَ الطَّلِباتِ، أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَن تَرزُقَنا خَوفاً و حُزناً تَشغَلُنا بِهِما عَن لَذّاتِ الدُّنيا وشَهَواتِها، وما يَعتَرِضُ لَنا فيها عَنِ العَمَلِ بِطاعَتِكَ، إنَّهُ لا يَنبَغي لِمَن حَمَّلتَهُ
[1]. الزجرَةُ: الصيحة بشدّة وانتهار( مجمع البحرين: ج 2 ص 767« زجر»).