و يمكن أن يقال: إن الصحابة قد تصرفوا في تأليف القرآن، و في آياته و ذلك بدليل:
ما يدّعونه في حديث جمع القرآن، من العسب، و اللخاف، و صدور الرجال، من أنهم وجدوا آيتين عند البعض؛ فألحقوهما بسورة التوبة.
بل جاء في بعض الروايات، قول عمر بن الخطاب: «لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا آخر سورة من القرآن، فالحقوهما في آخرها ..»[1].
و معنى ذلك: هو أن الصحابة، قد اعملوا سلائقهم و ذوقهم، في ترتيب آيات القرآن، فضلا عن سوره ..
و لعل مما يدل على ذلك: أنهم يقولون أيضا: إن بعض الآيات المنسوخة، قد تأخرت فيه على الناسخة، مع أن الأمر بحسب النزول، لا بد و أن يكون على العكس؛ فراجع ما ذكروه في آية تربص المرأة المتوفى عنها زوجها إلى الحول، أو إلى أربعة اشهر و عشرا ..[2]
و لعل هذا يفسر ما ورد، من أن من الامور، التي يقوم بها الامام المهدي، هو أنه يعلّم الناس القرآن، وفق ترتيب النزول ..
فعن الامام الباقر عليه السلام: «إذا قام القائم من آل محمد، ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن، على ما أنزله اللّه عزّ و جلّ؛ فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم؛ لأنه يخالف فيه التأليف»[3].
[1] راجع: فتح الباري ج 9 ص 12 و 13 و تفسير الميزان ج 12 ص 20 عن ابن ابي داود في المصاحف.
[2] راجع: بحوث في تاريخ القرآن و علومه ص 237 و راجع أيضا: الاتقان ج 1 ص 24.