أحدهما: كونه من الحالات و الطوارئ اللاحقة للحكم الواقعي أو موضوعه- كحالة العلم و الظن- و هو بهذا الاعتبار لا يمكن أخذه موضوعا لحكم يضاد الحكم الواقعي، لانحفاظ الحكم الواقعي عنده.
ثانيهما: اعتبار كونه موجبا للحيرة في الواقع و عدم كونه موصلا إليه و منجزا له، و هو بهذا الاعتبار يمكن أخذه موضوعات لما يكون متمما للجعل و منجزا للواقع و موصولا إليه، كما أنّه يمكن أخذه موضوعا لما يكون مؤمّنا عن الواقع- حسب اختلاف مراتب الملاكات النّفس الأمرية و مناطات الأحكام الشرعية- فلو كانت مصلحة الواقع مهمّة في نظر الشارع كان عليه جعل المتمم- كمصلحة احترام المؤمن و حفظ نفسه- فانّه لما كان حفظ نفس المؤمن أولى بالرعاية و أهم في نظر الشارع من مفسدة حفظ دم الكافر اقتضى ذلك تشريع حكم ظاهري طريقي بوجوب الاحتياط في موارد الشك حفظا للحمى و تحرّزا عن الوقوع في مفسدة قتل المؤمن، و هذا الحكم الطريقي إنّما يكون في طول الحكم للواقع نشأ عن أهمية المصلحة الواقعية، و لذا كان الخطاب بالاحتياط خطابا نفسيا و إن كان المقصود منه عدم الوقوع في مخالفة الواقع [1] إلّا أنّ هذا لا يقتضى أن يكون خطابه مقدّميا، لأنّ الخطاب المقدّمي هو ما لا مصلحة فيه أصلا، و الاحتياط ليس كذلك، لأنّ أهمية مصلحة الواقع دعت
______________________________ [1] أقول: و الأولى أن يقال: إنّ الخطاب بالاحتياط خطاب طريقي كسائر الخطابات الطريقية ناشئ عن الإرادة الواقعية و مظهرة لها في ظرف الشك بها، و مشتملة على الترخيص على مخالفة الواقع عند مخالفتها- كما هو الشأن في سائر أوامر الطرق- و في خصوص الاحتياط كان ترخيصه على وفق الواقع عند عدم وجوبه المحتمل، و ليس وجوبه مقدميا، لأنّه مع الموافقة عين الواقع في لبّ الإرادة و مع المخالفة يباينه، و لا نفسيا لفرض عدم إرادة تحته في فرض المخالفة.
و من هذا البيان ظهر: أنّ الأمر بالاحتياط و هكذا غيره بيان للواقع و منجز له في فرض الموافقة، و عند المخالفة موجب لعذره و ترخيصه المشتمل عليه أمره و ليس موجبا للعقوبة على نفسه.
و توهّم: أنّ العقوبة على الواقع حينئذ عقاب بلا بيان فلا بد من أن يكون العقوبة على نفسه، فاسد بما يأتي بيانه في الحاشية الآتية.