في شرح ما قيل في معنى الاسم: من انّه ما دلّ على معنى في نفسه أو قائم بنفسه، و الحرف ما دلّ على معنى في غيره أو قائم بغيره، و قبل ذلك ينبغي الإشارة إلى ما يراد من المعنى و المفهوم.
فنقول: المراد من المعنى و المفهوم هو المدرك العقلاني، الّذي يدركه العقل من الحقائق، سواء كان لتلك الحقائق خارج يشار إليه، أو لم يكن، و ذلك المدرك العقلاني يكون مجرّدا عن كلّ شيء و بسيطا غاية البساطة، بحيث لا يكون فيه شائبة التّركيب، إذ التّركيب من المادة و الصّورة انّما يكون من شأن الخارجيّات، و اما المدركات العقليّة فليس فيها تركيب، بل لا تركيب في الأوعية السّابقة على وعاء العقل من الواهمة و المتخيّلة بل الحسّ المشترك أيضا، إذ ليس في الحسّ المشترك إلّا صورة الشيء مجرّدا عن المادّة، ثمّ يرقى الشّيء المجرّد عن المادة إلى القوّة الواهمة، ثمّ يصعد إلى ان يبلغ صعوده إلى المدركة العقلانية، فيكون الشّيء في تلك المرتبة مجرّدا عن كلّ شيء حتّى عن الصّورة، فالمفهوم عبارة عن ذلك المدرك العقلاني الّذي لا وعاء له إلّا العقل، و لا يمكن ان يكون ذلك الشّيء في ذلك الوعاء مركّبا من مادّة و صورة، بل هو بسيط كلّ البساطة.
و ما يقال: من انّ الجنس و الفصل عبارة عن الأجزاء العقليّة، فليس المراد انّ المدركات العقليّة مركّبة من ذلك، بل المراد انّ العقل بالنظر الثانوي إلى الشّيء يحكم: بأنّ كلّ مادي لا بدّ و ان يكون له ما به الاشتراك الجنسي، و ما به الامتياز الفصلي، و إلّا فالمدرك العقلي لا يكون فيه شائبة التّركيب أصلا، فمرادنا من المعنى و المفهوم في كلّ مقام، هو ذلك المدرك العقلي.
إذا عرفت ذلك فنقول:
في شرح قولهم: انّ الاسم ما دلّ على معنى في نفسه، أو قائم بنفسه، هو انّ المعنى الاسمي مدرك من حيث نفسه، و له تقرّر في وعاء العقل، من دون ان يتوقف إدراكه على إدراك امر آخر، حيث انّه هو بنفسه معنى يقوم بنفسه في مرحلة التّصور و