ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها. كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهاراً لقدرته، تعبداً لبريته، وإعزازاً لدعوته. ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة[1] لعباده من نقمته، وحياشة[2] لهم إلى جنته.
وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله. اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة. علماً من الله تعالى بمآيل الأمور[3]، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع المقدور. ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه.
فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها[4]. فأنار الله بأبي محمد (ص) ظُلَمها[5]، وكشف عن القلوب بُهَمَها[6]، وجلّى عن الأبصار غُمَمَها[7]، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.
ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار. فمحمد (ص) من تعب