وَأشْهَدُ أنَّ أَبي مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتَارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أنْ أرْسَلَهُ، وَسَمَّاهُ قَبْلَ أنْ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أنْ ابْتَعَثَهُ إِذِ الخَلائِقُ بِالْغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسَتْرِ الأهاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَبِنهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالَى بِمآئِلِ الأُمُورِ، وَإِحاطَةً بِحَوادِثِ الدهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ المقدُورِ.
ابْتَعَثَهُ اللهُ إتْماماً لأَمْرِهِ، وَعَزِيمَةً عَلى إِمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنفاذَاً لِمَقَادِيرِ حَتْمِهِ، فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً فِي أدْيانِها، عُكَّفاً عَلى نِيرانِها، عَابِدَةً لأِوْثانِها، مُنْكِرَةً للهِ مَعَ عِرْفانِها، فَأنارَ اللهُ بِأَبي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وَكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلا عَنِ الأَبْصارِ عَمَهَها، وعن الأنْفُس غُمَمَها، وَقامَ فِي النَاسِ بِالهِدايَةِ، فَأنْقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وَهَداهُمْ إلى الدينِ القَويِمِ، وَدَعَاهُمْ إِلى الصراطِ المُسْتَقِيمِ.
ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إلَيْهِ قَبْضَ رَأفَةٍ وَاخْتِيارٍ، وَرَغْبَةٍ وَإيثارٍ، فَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله فِي راحَةٍ مِنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ، مَوضُوعَاً عَنْهُ أعْباءُ الأَوْزارِ، وَمَحْفُوفَاً بِالْملاَئِكَةِ الأَبْرارِ، وَرِضْوانِ الربِّ الغَفَّارِ، وَمُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبَّارِ، صَلَّى الله على أبي نَبِيِّهِ وَأمِينِهِ عَلى الَوحْي وَصَفِيهِ، وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيّهِ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ثمّ التفتت عليها السلام إلى أهل المجلس وقالت: وأنْتُم عِبادَ اللهِ نَصْبُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَحَمَلَةُ دِينِهِ وَوَحْيِهِ، وَاُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ حولكم، زَعِيمُ حَقّ لهُ فيكُمْ، وَعَهْدٌ قَدَّمَهُ إلَيْكُمْ.. وَنحن بَقِيَّةٌ اسْتَخْلَفَها عَلَيْكُمْ، ومعنا كِتابُ اللهِ النَّاطِقُ، وَالقرآن الصَّادِقُ، وَالضياءُ اللاَّمِعُ، بَيّنَةٌ