وما اكتفت بريطانيا في تثبيت معاهدة 1922 بالصورة القانونية، بل استمرت في وضع الأغلال المكبلة لحكومة العراق، وذلك عبر إيجاد شبكة من الارتباطات المالية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. وذلك ليصعب فك الارتباط بين الجانبين، وليصل العراقيون على المستوى الحكومي والشعبي إلى قناعة مهمة، هذه القناعة تبقى شاخصةً أمام العراقيين، يدور محورها حول عدم إمكانية فك الارتباط المصيري ببريطانيا. فمن الناحية العسكرية خلقت تهديدات تركيا لضم الموصل إليها في الشمال، وكذلك أظهرت العمليات المستمرة من قبل ابن سعود في الجنوب. أشباحاً مرعبة تلاحق أحلام الحكومة العراقية وعامة الشعب. ففي الشمال «بناءً على ضرورة القيام بحركات عسكرية على الحدود الشمالية، بناء على اجتياز قوات الأتراك غير النظامية حدود العراق وعبثها بأموال وأعراض الناس، وافق مجلس الوزراء في جلسة 15 أيلول على إجراء هذه الحركات وإيداع قيادة قطعات الجيش العراقي المحتشدة في لواء الموصل، إلى قائد الطيران البريطاني العام في العراق مؤقتاً»([1468]).

وبمعنى آخر إن الضرورة المرحلية منحت الحق للحكومة في ارتباطها الوثيق ببريطانيا «فالضرورات تبيح المحظورات» كما يقول الفقهاء([1469]). وفي الجنوب أيضاً، بناء على الأنباء التي وردت آنذاك باندحار جيش الحجاز ودخول ابن سعود مكة، عقد مجلس الوزراء جلسة بتاريخ 25 تشرين الأول، ناقش فيه مسألة استيلاء ابن سعود على مكة واكتساحه الحجاز، «ورأى أن استيلاء هذا السلطان على البيت الحرام سوف يؤول إلى عدم إمكان أداء فريضة الحج، ويخلّ بالموازنة بين البلاد العربية، ويُضطر في نهاية الأمر العشائر القاطنة ما بين سورية والعراق وعلى طول الفرات غرباً، إلى اعتناق

[1468] الحسني، عبد الرزاق: تاريخ الوزارات العراقية، ج1،ص146.

[1469] إنها قاعدة فقهية، راجع البجنوردي، السيد ميرزا حسن الموسوي: القواعد الفقهية، ج1، طبع النجف 1389هـ، 1969م، ص176-209.