ووجه غموضه من حيث العلم أن ملاحظة الأسباب
والاعتماد عليها شرك في التوحيد، والتباعد عنها بالكلية طعن في السنّة وقدح في الشرع،
والاعتماد على الأسباب انغماس[1434] في
غمرة[1435] الجهل.
والتحقيق فيه أن التوكل المأمور به في الشرع هو اعتماد
القلب على الله في الأمور كلها وانقطاعه عما سواه، ولا ينافيه تحصيل الأسباب إذا
لم يكن يسكن إليها، وكان سكونه إلى الله تعالى دونها مجوزاً أن يؤتيه الله مطلوبه من حيث لا يحتسب دون هذه الأسباب التي
حصلها، وأن يقطع الله هذه الأسباب عن مسبباتها، سواء كانت لجلب نفع متوقع أو لدفع
ضرر منتظر أو لإزالة آفة واقعة، وسواء كانت مقطوعاً بها، كمد اليد إلى الطعام ليصل
إلى فيه، أو مظنونة كحمل الزاد للسفر وأخذ السلاح للعدو واتخاذ البضاعة للتجارة
والادخار لتجدد الاضطرار والتداوي لإزالة الضرر والتحرز عن النوم في مكمن السباع
وممر السيل وتحت الحائط المائل وغلق الباب وعقل البعير ونحو ذلك.
أما الموهومة كالرقية[1436]) والطيرة[1437]) والاستقصاء[1438]) في دقائق التدبير، فيبطل بها
[1434] الغمس: إرساب الشيء في الشيء. وقال علي بن حجر:
الإغتماس أن يطيل اللبث فيه.
لسان العرب، ابن منظور:
6/156، مادة "غمس".
[1435] الغمرة منهمك الباطل، ومرتكض الهول. ويقال: هو
يضرب في غمرة اللهو ويتسكع في غمرة الفتنة، وغمرة الموت: شدة همومه.
لسان العرب، ابن منظور:
5/29، مادة "غمر".
[1436] الرقية: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة
كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات.
النهاية في غريب
الحديث، ابن الأثير: 2/254، باب الراء مع القاف.
[1437] الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن: هي
التشاؤم بالشيء. يقال: التطير بالسوائح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما. وكان ذلك
يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب
نفع أو دفع ضر.
النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: 3/152، باب الطاء مع الياء.