وإن احتجت إلى شاهد على ذلك في عالم الدنيا فانظر إلى الطباع السليمة كيف
تراها تستلذ بالنظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار الحسنة والألوان المليحة، حتى
إن الإنسان لتنفرج عنه الغموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة والماء
الجاري[1315]، فالخضرة والماء الجاري
محبوبان لا لشرب الماء وأكل الخضرة.
ثم الحسن والجمال ليسا مقصورين على مدركات البصر ولا على تناسب الخلقة،
إذ يقال: هذا صوت حسن، وهذا خلق حسن، وهذا علم حسن، وهذه سيرة حسنة، وليس شيء من
هذه الصفات يدرك بالبصر. بل ليس الحسن والجمال مقصوراً على مدركات الحواس، إذ كثير
منها يدرك بالبصيرة الباطنة، ولذا ترى الطباع السليمة مجبولة[1316] على حب الأنبياء
والأئمة عليهم
السلام
مع أنهم لم يشاهدوهم.
ولما تواتر وصف أمير المؤمنين بالشجاعة وحاتماً بالسخاء أحبتهما القلوب
حباً ضرورياً بدون نظر إلى صورة محسوسة ولا عن حظ يناله المحب منهما.
ومن كانت البصيرة الباطنة أغلب عليه من الحواس الظاهرة كان حبه للمعاني
الباطنة أكثر من حبة للمعاني الظاهرة.
ثم كل محب إما أن يحب نفسه أو يحب غيره، ومحبة الغير إما لحسنه وجماله
أو لإحسانه وكماله أو لمجانسة[1317] بينه وبين المحب: