فرتله ترتيلاً، وقف عند وعده ووعيده، وتفكر في أمثاله ومواعظه واحذر أن
تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده[463].
وقال أبو حامد ما ملخصه: ينبغي لتالي القرآن من أمور باطنة:
منها: فهم عظمة الكلام وعلوه، وفضل
الله تعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة أفهام خلقه.
ومنها: التعظيم للمتكلم،
فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن
ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كلامه غاية الخطر، فإنه تعالى قال: ((لا يَمَسُّهُ إِلاّ
الْمُطَهَّرُونَ))[464]، وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقه
محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهراً، فباطن معناه أيضاً محجوب عن باطن
القلب إلا إذا كان منقطعاً عن كل رجس ومستنيراً بنور التعظيم والتوقير، وكما لا
يصلح للمس المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب.
ومنها: حضور القلب وترك حديث النفس، وهذا يتولد من التعظيم
فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه، ففي القرآن ما
يستأنس به القلب إن كان التالي أهلاً له، فكيف يطلب الأنس بالفكر في غيره وهو في
متنزه.
ومنها: التدبر، وهو وراء حضور القلب،
فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا
يتدبر، المقصود من القراءة التدبر، قال تعالى: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ
أَقْفالُها))[465] ولذلك سن
[463]
أنظر: مصباح الشريعة، الإمام الصادق عليه السلام: 28 ــ 29، الباب الثاني عشر في
قراءة القرآن.