«ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره؛ فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار»[128].

هذا الموقف الحسيني الذي تجلى بأنواره في كربلاء قد كشف ما تلبد في سمائها من غيوم داكنه، حين زحفت هذه الجموع تدق طبول الحرب، وتعلن الموت بوجه كل من يعترض طريقها.

وهذا الموقف قد سجل بأحرف نورانية في سجل الحياة منهجاً تربوياً يعلم الإنسان كيف يعد نفسه لمواجهة أصعب الظروف؛ بل يعلمه كيف يواجه الموت بالحياة، والذعر بالاطمئنان، والخوف بالسكينة.

وهو فضلاً عن كل ذلك قد تضمن الحقيقة الآتية:

استثمار دقائق الحياة بالعبادة

ربما يستطيع بعض الناس أن يحدد ما بقي له من ساعات عمره ومدة حياته؛ كالمريض الذي يصارع الحياة بسبب مرض عضال فيخبره الأطباء عن مقدار مقاومة بدنه لمدة يومين أو ثلاثة، أو كالسجين الذي تلقى أمر إعدامه وينتظر تنفيذ الحكم؛ أو كالمقاتل الذي تجهز لخوض مهمة قتالية في زمن محدد؛ أو غيرها من الأمثلة الحياتية. التي تحكي عن مقدرة الإنسان على معرفة ما بقي له من ساعات عمره.

ففي هذه الحالات كيف للإنسان أن يتصرف فيها؟! أينتظر نهايته ببطء

[128] اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس: ص 54، ط أنوار الهدى ــ قم. البداية والنهاية لابن كثير: ج 8، ص 191، ط ونشر دار إحياء التراث. المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين: ص 271، ط ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية ــ قم. مقتل الحسين (علیه‌السلام) للمقرم.