«أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّماخَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ[1].»
«وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَوَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ[2]»
جدٌ لا هزل، مسؤوليةٌ لا تسيب، حسابٌ لا إهمال. وتركيز فكر المسؤولية والإحساس
العميق بها، أرضية الشخصية الخلقية المتحملة الجادة النشطة، المراقبة لذاتها،
الناظرة ليومها وغدها، المحاسبة لداخلها وخارجها، الناهضة بأداء أماناتها، المنسقة
لخطاها على خط هدفها، المقيمة للحق، المقاومة للباطل، الساعية بالخير، المحاربة
للشر. كلّ ذلك لا يعتريه شكٌ ولا تدخله ريبة حينما تكون المسؤولية أمام الخالق
العظيم، وهي مسؤوليةٌ مصيريةً حاسمة تنتهي بسعادة الأبد أو شقاء الخلود.
ب- في حضارة الطين:
«وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَوَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌلِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ[3]»
الذين كفروا أصحابُ حضارة الطين، دعاتُها، مقيموها، يرون خلق السماء والأرض وما
بينهما باطلًا، عبثاً، لهواً، بلا هدف، يخلق ويُهلك، يقيم ويُطيح، يبني ويهدم بلا
هدف. صانعٌ صغيرٌ في الأرض لا يصنع كوزاً بلا هدف، لا يقيم كوخاً بلا هدف! ربما
عَبِثَ الطفلُ. لكنّ بالغاً رشيداً لا يعبث بصناعته وزراعته.
الإنسان يقيم مصانعه لا للآخرة،
يقيم حضارته لا للآخرة ولكنه في حسبانه أنه هادف، فهو وإن لم يكن الهادف الصحيح،
إلا أنه في حسبانه أنه هادف، والله غير هادف؟! ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين
كفروا من النار.