أمّا بصيرةٌ عَرَفت الله، فصاحِبُها بمنجاة من ذلك الجنون والانهيار، ونفسه أقوى وأعلى من أن يستولي عليها شي‌ء من هموم الدنيا، ومما يتعلّق بخيرها وشرّها، سرائها وضرائها .. لا تستعبده، لأنه يستقلّ شأنَّها أمام معرفته بالله سبحانه، ويزهد فيها، وهو لا يراها إلا كظلٍّ ما أسرع ما يفي‌ءُ ويرجعُ‌ [1] عما هو عليه، من جهة الغرب إلى الشرق، ولا مكث له في مكانه، وإنما هو دائمًا في انتقال، من جهته الأولى إلى جهته الثانية [2]" [3].

6- الشُّعور بالغنى والكرامة:

عن الإمام عليّ عليه السلام: «مَنْعَرَفَ اللَّهَ تَوَحَّد» [4].

المعرفة بالله لما تُعطيه من شعور بالكرامة، وما تؤدّي إليه من شرف الذّات، ورِفعة الذّوق، وسموّ النفس، وعظيم التطلُّع إلى الكمال تحمي النفس عن الدنوّ من الأجواء الملوَّثة، والمخالَطة للنفوس المتدنية [5].

فأهل معرفة الله تبارك وتعالى يربأون بأنفسهم عن مخالطة أهل معصيته، الغارقين في مخالفة دينه، لا يقبلون أن يذوبوا في أهل الدنيا من طُلّابها المحكومين لهواها.

ولو كانت الدنيا ملؤها هذا النوع من الناس لهان على أهل المعرفة الحقّة أن ينعزِلوا عن الالتصاق بهم، وأن لا يطلبوا وِدَّهُم ولكن في غير تخلٍّ عن واجبهم الديني المرتبط بالناس، أو نسيانٍ لمسؤولياتهم‌ [6].

[1]. كما تقدّم من لحظة ما قبل الزوال إلى لحظة ما بعد الزوال. «منه حفظه الله»

[2]. والدنيا دائمًا في رحيل، وفي اتجاه الأخرة، وكلنا في سعي دائم إلى حيث النهاية. «منه حفظه الله»

[3]. خطبة الجمعة (596) 4 جمادى الآخر 1435 ه-- 4 أبريل 2014 م.

[4]. عيون الحكم والمواعظ لليثي: 452 ح 8101.

[5]. التوحّد يعني أن أنفرد، أن أنعزل، لكن ما هي هذه العزلة؟. «منه حفظه الله»

[6]. فرقٌ بين أن أقوم بمسؤوليّاتي الدينية اتجاه الناس، وأن لا أودَّ باطلهم، فرقٌ بين أن أقوم بمسؤوليّاتي الدينية اتجاه الناس، وأن لا أودَّ باطلهم. «منه حفظه الله»