قد تبعدهم عن
الجهاد ، من جملتها الاتكال على الصلاة أو الولاية باعتبارهما خير العمل .
لكنّ هذا السبب في
منع عمر بن الخطاب ترد عليه عدة أمور :
أوّلها : إنّ الغزوات والحروب كانت أعظم وأكثر
على عهد رسول الله ، وكانت ظروف انبثاق الدولة الإسلاميّة الفتيّة وبداية انطلاقها لنشر
دين الله أدعى إلى حذف هذه الحيعلة من قِبل رسول الله 0 ـ لو صحّ هذا التعليل ـ من الظروف التالية التي عاشها الخليفة بعد استقرار أمور الدولة
بشكلها الذي كانت عليه . فلماذا لم يحذف رسولُ الله 0 هذا الفصل وحذفها عمر[795] ؟!
إنّ هذا لَيثير
تساؤلاً حول صحّة هذا التعليل الذي فسّر به عمر حذفه هذا ،
أو يومئ إلى وجود سبب آخر غير معلن في هذا السياق .
ثانيها : لو قبلنا التعليل السابق تنزّلاً لصحَّت
مشروعية الحذف لفترة معينة ، لا أنّه يكون تشريعاً لكلّ الأزمان ،
ذلك أن سريان المنع إلى يومنا هذا ربّما يشير إلى أمر آخر .
ثالثها : إنّ هذا التعليل من قبل الخليفة لا
يتّفق مع ما جاء عن رسول الله
0 من قوله : «اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة» وهو لا يتّفق أيضاً مع قوله 0 عن الصلاة : «إنّها
عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدّ ما سواها» ، فلو صحّ تعليل الخليفة وأنّه أراد أن لا يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعُوا
الجهاد ، للزم
[795] وهذا التعليل والرد ، ورد نظيرهما
في إتمام عثمان للصلاة بمنى ، بحجّة خوفه أن يظن الناس أنّ صلاة القصر هي
المفروضة ، فأجابه الصحابة بأن النبيّ 0 كان يقصر الصلاة وينبّه
المسلمين على أنّ ذلك مخصوص بمنى . فلوصح تعليل عمر ، لكان يمكنه أن يقر
الحيعلة الثالثة في الأذان وينبّه المسلمين على ضرورة الجهاد ، كما كان رسول
الله 0 يفعل ذلك . وهذا التشابه في أدوار
الخليفتين الثاني والثالث يوقفك على مسار تيار الحكّام المجتهدين .