و الإنصاف أنّ ما ذكره و حقّقه أحسن ما قيل في الباب، و أقرب بإصابة الواقع و إن كان في بعض ما أفاده مجال المناقشة، كانتهائه حدّ الإطراب بما يكاد أن يزيل بالعقل، و أنّ العلّة في الغناء عين العلّة في المسكر، و ذلك لعدم الشاهد عليه في العرف و اللّغة.
لصدق الغناء على ما لم يبلغ الإطراب ذلك الحدّ و لم يكن من شأنه ذلك أيضا.
فإنّ للغناء أقساما كثيرة و مراتب كثيرة غاية الكثرة في الحسن و الإطراب:
فربّما بلغ فيه غايته كما لو كان الصوت بذاته في كمال الرقّة و الرخامة و كان الصائت ماهرا في البحور الموسيقية، و كان البحر مناسبا له كالبحر الخفيف مثلا، فحينئذ لا يبعد أن يكون مزيلا للعقل، و مهيجا للحليم، و موجبا لصدور أعمال من الشريف الحكيم ما لا يصدر من الأنذال و الأراذل، و إن كانت القضايا المحكيّة عن بعض أهل الكبائر كبعض خلفاء الأمويّين و العباسيّين لم يثبت كونها لمحض الغناء، فإنّ مجالس تغنّيهم كانت مشحونة بأنواع الملاهي و المعاصي، كشرب الخمور و أنواع آلات اللهو و الترقّص و غيرها حتى القضية المعروفة من وليد- لعنه اللّه- مع مغنّية [1] لم يحرز كونها للغناء محضا.
و ربّما لا يكون بتلك المرتبة كما لعلّه كذلك غالبا.
و كلمات اللغويّين أيضا لا يساعده، لعدم تقييد مهرة الفنّ بحصول تلك