بل قلنا في محلّه [1]: إنّ إرادة الفاعل المباشر أيضا ليست علّة تامّة لوجود الفعل و تحقّقه خارجا، ضرورة توسّط مباد أخر بينها و بين وجود الفعل الخارجي كالقوى المنبثّة في الأوتار و الأعصاب و نفس الأوتار و الأعصاب و العضلات، فالنفس في العالم الطبيعي فاعلة بالآلة، و ما هي شأنها لا تكون إرادتها علّة تامّة للفعل الخارجي فضلا عن كونها بالنسبة إلى الفعل المكره عليه كذلك، و لهذا كثيرا ما تتخلّف الإرادة عن المراد.
نعم، قد يمكن أن يقهر بعض النفوس القوية قوى الفاعل و آلاته و سخّرها تحت إرادته بحيث تسلب الإرادة و الاختيار و الفاعلية عنه و يصير متحرّكا و فاعلا بإرادته و تكون قوى الفاعل كالآلة للنفس المسخّرة إيّاه، و في مثله لا يكون الفعل صادرا عن المسخّر بالفتح بل عن المسخّر القاهر، و هو خارج عن البحث.
الجهة الثانية: إنّ الفعل الصادر من المكره بإكراه مكره، تارة لا يخرج بواسطة الإكراه عن الحرمة الفعليّة،
كالإكراه على القتل، فإنّه محرّم فعلي على المكره بالفتح و لو أوعده على القتل.
و أخرى يخرج عن الحرمة الفعلية بالإكراه، و لولاه يكون محرّما فعليا.
و ثالثة يكون الفعل قبل تحقّق الإكراه خارجا عن الحرمة الفعليّة كما لو اضطر إليه و لم يفعله فأكره عليه.
لا إشكال في حرمة الإكراه في الصورة الأولى، للقبح عقلا في تحريك الغير على معصية المولى فضلا عن إكراهه عليها، مع أنّ النصّ و الفتوى متوافقان عليه [2].
[1] راجع تهذيب الأصول 1- 233، هل الإرادة علّة تامّة لحركة العضلات أو لا؟
[2] راجع الجواهر 42- 47 و ما بعدها، كتاب القصاص، الصورة الثانية للمرتبة الرابعة من التسبيب.
و راجع أيضا الوسائل 19- 32، كتاب القصاص، الباب 13 من أبواب قصاص النفس.