شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ سَمِعْتُ فِيكَ مِنَ الْفَضْلِ مَا لَا أُحْصِي وَ إِنِّي أَظُنُّكَ سَتُغْتَالُ فَعَلِّمْنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ قَالَ نَعَمْ يَا شَيْخُ مَنِ اعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ[1] وَ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هِمَّتَهُ اشْتَدَّتْ حَسْرَتُهُ عِنْدَ فِرَاقِهَا وَ مَنْ كَانَ غَدُهُ شَرَّ يَوْمَيْهِ فَهُوَ مَحْرُومٌ وَ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِمَا رُزِئَ[2] مِنْ آخِرَتِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ دُنْيَاهُ فَهُوَ هَالِكٌ وَ مَنْ لَمْ يَتَعَاهَدِ النَّقْصَ مِنْ نَفْسِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ الْهَوَى وَ مَنْ كَانَ فِي نَقْصٍ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ يَا شَيْخُ ارْضَ لِلنَّاسِ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ وَ ائْتِ إِلَى النَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْكَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَ مَا تَرَوْنَ إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا يُمْسُونَ وَ يُصْبِحُونَ عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى فَبَيْنَ صَرِيعٍ يَتَلَوَّى[3] وَ بَيْنَ عَائِدٍ وَ مَعُودٍ[4] وَ آخَرَ بِنَفْسِهِ يَجُودُ وَ آخَرَ لَا يُرْجَى وَ آخَرَ مُسَجًّى[5] وَ طَالِبِ الدُّنْيَا وَ الْمَوْتُ يَطْلُبُهُ وَ غَافِلٍ وَ لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ وَ عَلَى أَثَرِ الْمَاضِي يَصِيرُ الْبَاقِي[6] فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ الْعَبْدِيُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيُّ سُلْطَانٍ أَغْلَبُ وَ أَقْوَى قَالَ الْهَوَى قَالَ فَأَيُّ ذُلٍّ أَذَلُّ قَالَ الْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا قَالَ فَأَيُّ فَقْرٍ أَشَدُّ قَالَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ قَالَ فَأَيُّ دَعْوَةٍ أَضَلُّ قَالَ الدَّاعِي بِمَا لَا يَكُونُ[7]-
[1]. أي يجب أن يكون المؤمن في كل يوم في الزيادة في العلم و اصلاح النفس و العمل بالاخلاص و الحضور و القرب إلى اللّه تعالى و الا فهو مغبون في عمره و نفسه.
[2]. الرزاء: النقص.
[3]. أي أحوالهم متفرقة فاما أن يكون ساقطا من المرض و ينقلب من جانب إلى آخر.
[4]. أي أحدهم مريض و الآخر يذهب الى عبادته، و لا يتفكرون في أن المرض باب الموت و هو لكل نفس لازم يمكن أن يجيىء بغتة.( م ت).
[5]. جاد بالمال: بذله، و جاد بنفسه: سمح بها عند الموت و حالة النزع، و قوله:
« و آخر لا يرجى» أي حياته من شدة المرض، و« آخر مسجى» أي ميت مغطى بثوب، و آخر طالب للدنيا أي هو في غفلة من أن الموت يطلبه.
[6]. الاثر- محركة- و الاثر- بكسر الهمزة- كلاهما بمعنى، و معنى الجملة أن الباقين يعلمون أن مدار هذه الدنيا الفانية على هذه الأحوال و مع ذلك لا ينتبهون.
[7]. أي الداعي الذي طلب في الدنيا الرفاهية أو الخلود.