[1]. قال استاذنا الشعرانى- مد ظله العالى- في
هامش الوافي: شرح هذه العبارة و ما بعدها لا يخلو عن صعوبة لان القاضي في واقعة
واحدة لا يكون اثنين، أما ان كان منصوبا فواضح، و أمّا ان كان قاضى التحكيم فيعتبر
فيه تراضى المتداعيين فان اختار كل رجل قاضيا لنفسه لم يتحقّق التراضى و على هذا
فالفقيه ان كان بمنزلة القاضي المنصوب كان النافذ حكم من يختاره المدعى و يجبر
المدعى عليه على الحضور عنده و قبول حكمه و ليس له أن يختار قاضيا آخر، قال
العلامة- قدّس سرّه- في القواعد: يجوز تعدّد القضاة في بلد واحد و إذا استقل كل
منهما في جميع البلد تخير المدعى في المرافعة الى أيهما شاء- انتهى، و لا يمكن في
القضاء غير ذلك و لولاه لسهل على المدعى عليه طريق الفرار، و ان كان المراد في
الحديث الاستفتاء فقط و أطلق عليه التحاكم و القضاء جاز تعدّد المفتى بأن يختار كل
واحد منهما فقيها يقلده و لكن لا تحصل منه فائدة القضاء و لا ينحل به الاختلاف، و
الغرض من القضاء قطع الخصومة.
و أيضا فان المتداعيين ان كانا
مجتهدين لم يجز لهما تقليد غيرهما و ان كانا مقلّدين لم يتمكّنا من ملاحظة
الترجيحات المذكورة في الحديث، و حل الاشكال أن مفاد الرواية أمر الشيعة إرشادا
بكل وسيلة ممكنة الى حصول التراضى و قطع الخصومة من غير الترافع الى قضاة الجور
اما بأن تراضيا بحكم فقيه واحد و يقبلا قوله فيعد قوله بالنسبة اليهما قضاء ان
كانا مجتهدين و فتوى ان كانا مقلّدين و ان لم يتراضيا بحكم فقيه واحد و اختار كل
واحد فقيها لم يكن قولاهما بالنسبة اليهما حكما و قضاء و لا فتوى بل نظير قوله
تعالى« فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها»
فيتوسلان بهما الى قطع الخصومة بوجه و هو الترجيح، فان كان المتداعيان مجتهدين و
اتفقا على أرجحية أحدهما قبلاه و الا تراضيا بقول من يرجح بينهما فاختيار رجلين
خارج عن حكم القضاء و غير مناسب له، قال العلامة- ره- في نهاية الأصول: التعادل
إذا وقع للإنسان في عمل نفسه تخير، أو للمفتى تخير المستفتى في العمل بأيهما شاء
كما يلزمه في حقّ نفسه، أو للحاكم يعين لانه نصب لقطع التنازع، و تخيير الخصمين
يفتح باب المخاصمة لان كلا منهما يختار الاوفق له بخلاف المفتى- انتهى.
فمفاد الحديث أمر الشيعة بقطع
الخصومة بينهم، ان كان بالتصالح و العفو فهو، و ان كان بالقضاء من فقيه بالتراضى
فهو، و ان كان باختيار حكمين و الترجيح في مورد، اختلافهما-- فهو، و الغرض عدم
الترافع الى قضاة الجور.
و قوله« اختلفا فيما حكما» قال
المولى رفيعا أي اختلافهما في الحكم استند الى اختلافهما في الحديث و قوله عليه
السلام« أصدقهما في الحديث» أي من يكون حديثه أصح من حديث الآخر بأن يكون ينقله من
أعدل أو أكثر من العدول و الثقاة و ظاهر هذه العبارة الحكم بترجيح حكم الراجح في
هذه الصفات الاربع جميعها، و يحتمل الترجيح بحسب الرجحان في واحدة من الاربع أيّها
كانت، و على الأول يكون حكم الرجحان بحسب بعضها دون بعض مسكوتا عنه، و على الثاني
يكون حكم تعارض الرجحان في بعض منها على الرجحان في بعض آخر مسكوتا عنه، و
الاستدلال بالاولوية و الرجحان بالترتيب الذكرى ضعيف و المراد أن الحكم الذي يجب
قبوله من الحكمين المذكورين حكم الموصوف بما ذكر من الصفات الاربع، و يفهم منه
وجوب اختياره لان يتحاكم إليه ابتداء و ان ترجيح الافضل لازم في الصور المسكوت
عنها، و من هنا ابتدأ في الوجوه المعتبرة للترجيح في القول و الفتيا.
نام کتاب : من لا يحضره الفقيه نویسنده : الشيخ الصدوق جلد : 3 صفحه : 9