نام کتاب : مستدرك الوسائل نویسنده : المحدّث النوري جلد : 12 صفحه : 55
الأطيب (صلّى الله عليه وآله) ، فإنّ فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى ،
وأحب العباد إلى الله تعالى المتأسي بنبيه والمقتص لاثره ، قضم الدنيا قضماً ولم
يعرها طرقا ، أهضم أهل الدنيا كشحاً ، وأخمصهم من الدنيا بطناً ، عرضت
عليه الدنيا فأبى أن يقبلها ، وعلم أنّ الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه ،
وحقّر شيئاً فحقّره ، وصغّر شيئاً فصغره ، ولو لم يكن فينا إلّا حبنا ما أبغض
الله [١] وتعظيمنا ما صغر الله [٢] ، لكفى به شقاقاً لله ، ومحاداة عن أمر الله ،
ولقد كان (صلّى الله عليه وآله) يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ،
ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العاري ، ويردف
خلفه ، ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول : يا فلانة ـ
لاحدى أزواجه غيبيه ـ عنّي ، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها ،
فأعرض عن الدنيا بقلبه ، وأمات ذكرها من نفسه ، وأحب أن تغيب زينتها
عن عينه ، لكيلا يتخذ منها رياشاً ، ولا يعتقدها قراراً ، ولا يرجو فيها
مقاماً ، فأخرجها من النفس ، وأشخصها عن القلب ، وغيبها عن البصر ،
وكذلك من أبغض شيئاً ، أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده ، ولقد كان في
رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما يدلك على مساوئ الدنيا وعيوبها ، إذ
جاع فيها مع خاصته ، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته ، فلينظر ناظر
بعقله ، أأكرم الله محمداً (صلّى الله عليه وآله) بذلك أم أهانه!؟ فإن قال :
أهانه ، كذب و [أتى بالإفك] [٣] العظيم ، وإن قال : أكرمه ، فليعلم أن
الله قد أهان غيره ، حيث بسط الدنيا له ، وزواها عن أقرب الناس [٤] ،
فتأسى متأس بنبيه ، واقتص اثره ، وولج مولجه ، وإلا فلا يأمن الهلكة ،
فإنّ الله جعل محمداً (صلّى الله عليه وآله) علماً للساعة ، ومبشراً بالجنة ،
ومنذراً بالعقوبة ، خرج من الدنيا خميصاً ، وورد الآخرة سليماً ، لم يضع
حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله ، وأجاب داعي ربه» إلى آخره.