وَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ الشُّكْرِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِقَةِ رَآهَا النَّاسُ وَ قَدْ حَمَلَتْ حَمْلًا حَسَناً فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ وَ أَكَلُوا مِنْهَا فَوَجَدُوهُ نَبِقاً حُلْواً لَا عَجَمَ لَهُ وَ وَدَّعُوهُ وَ مَضَى ع مِنْ وَقْتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى أَشْخَصَهُ الْمُعْتَصِمُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ إِلَى بَغْدَادَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ كُنْتُ بِالْعَسْكَرِ فَبَلَغَنِي أَنَّ هُنَاكَ رَجُلًا مَحْبُوساً أُتِيَ بِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ مَكْبُولًا وَ قَالُوا إِنَّهُ تَنَبَّأَ فَأَتَيْتُ الْبَابَ وَ دَارَيْتُ الْبَوَّابِينَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَجُلٌ لَهُ فَهْمٌ وَ عَقْلٌ فَقُلْتُ لَهُ يَا هَذَا مَا قِصَّتُكَ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا بِالشَّامِ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُ نُصِبَ فِيهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَوْضِعِي مُقْبِلٌ عَلَى الْمِحْرَابِ أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إِذْ رَأَيْتُ شَخْصاً بَيْنَ يَدَيَّ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي قُمْ فَقُمْتُ مَعَهُ فَمَشَى بِي قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ قَالَ فَصَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ وَ انْصَرَفْتُ مَعَهُ فَمَشَى قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ صَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ فَمَشَى قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا بِمَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَ طُفْتُ مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ وَ مَشَى قَلِيلًا فَإِذَا أَنَا بِمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ بِالشَّامِ وَ غَابَ الشَّخْصُ عَنْ عَيْنِي فَبَقِيتُ حَوْلًا مِمَّا رَأَيْتُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّخْصَ فَاسْتَبْشَرْتُ بِهِ وَ دَعَانِي فَأَجَبْتُ فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فَلَمَّا أَرَادَ مُفَارَقَتِي بِالشَّامِ قُلْتُ لَهُ سَأَلْتُكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَقْدَرَكَ عَلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي مَنْ أَنْتَ فَقَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ع فَحَدَّثْتُ مَنْ كَانَ يَصِيرُ إِلَى الْحِيرَةِ فَرَقَى ذَلِكَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ فَبَعَثَ إِلَيَّ وَ أَخَذَنِي فَكَبَّلَنِي فِي الْحَدِيدِ وَ حَمَلَنِي إِلَى الْعِرَاقِ وَ حُبِسْتُ كَمَا تَرَى وَ ادَّعَى عَلَيَّ الْمَحَالَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَرْفَعُ عَنْكَ الْقِصَّةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ فَقَالَ افْعَلْ فَكَتَبْتُ عَنْهُ قِصَّةً شَرَحْتُ أَمْرَهُ فِيهَا وَ رَفَعْتُهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَوَقَّعَ فِي ظَهْرِهَا قُلْ لِلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنَ الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ إِلَى الْكُوفَةِ وَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ وَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنَ السِّجْنِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ فَغَمَّنِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ وَ رَقَقْتُ لَهُ وَ انْصَرَفْتُ مَحْزُوناً عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ بَاكَرْتُ الْحَبْسَ لِأُعْلِمَهُ بِالْحَالِ وَ آمُرَهُ بِالصَّبْرِ وَ الْعَزَاءِ فَوَجَدْتُ الْجُنْدَ وَ أَصْحَابَ السِّجْنِ وَ خَلْقاً عَظِيماً مِنَ النَّاسِ يُهْرَعُونَ فَسَأَلْتُ عَنْ حَالِهِمْ فَقِيلَ لِي الْمَحْمُولُ مِنَ الشَّامِ الْمُتَنَبِّئُ افْتُقِدَ الْبَارِحَةَ مِنَ الْحَبْسِ فَلَا نَدْرِي أَ خَسَفَ بِهِ الْأَرْضُ أَوِ اخْتَطَفَهُ الطَّيْرُ وَ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ خَالِدٍ زَيْدِيّاً فَقَالَ بِالْإِمَامَةِ لَمَّا رَأَى ذَلِكَ وَ حَسُنَ اعْتِقَادُهُ.