سَأَمْضِي وَ مَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى
إِذَا مَا نَوَى حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِماً
وَ وَاسَى الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ
وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ وَدَّعَ مُجْرِماً
فَإِنْ مِتُّ لَمْ أَنْدَمْ وَ إِنْ عِشْتُ لَمْ أُلَمْ
كَفَى بِكَ ذُلًّا أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْحُرُّ تَنَحَّى عَنْهُ فَكَانَ يَسِيرُ بِأَصْحَابِهِ نَاحِيَةً وَ الْحُسَيْنُ ع فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى عُذَيْبِ الْهِجَانَاتِ ثُمَّ مَضَى ع حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ فَنَزَلَ بِهِ وَ لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ أَمَرَ بِالاسْتِقَاءِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ أَمَرَنَا بِالرَّحِيلِ فَانْتَحَلَ مِنْ قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ سِمْعَانَ فَسِرْنَا مَعَهُ سَاعَةً فَخَفَقَ ع وَ هُوَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ انْتَبَهَ وَ هُوَ يَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ مِمَّ حَمِدْتَ اللَّهَ وَ اسْتَرْجَعْتَ فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ لِي فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ وَ هُوَ يَقُولُ الْقَوْمُ يَسِيرُونَ وَ الْمَنَايَا تَسِيرُ إِلَيْهِمْ فَعَلِمْتُ أَنَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إِلَيْنَا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَا أَبَتِ لَا أَرَاكَ اللَّهُ سُوءاً أَ لَسْنَا عَلَى الْحَقِّ قَالَ بَلَى وَ الَّذِي إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَ الْمَعَادُ قَالَ فَإِذاً لَا نُبَالِي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع جَزَاكَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرَ مَا جَزَى وَلَداً عَنْ وَالِدٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ نَزَلَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ عَجَّلَ الرُّكُوبَ فَأَخَذَ يَتَيَاسَرُ بِأَصْحَابِهِ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فَيَأْتِيهِمُ الْحُرُّ بْنُ يَزِيدَ فَيَرُدُّهُ وَ أَصْحَابَهُ فَجَعَلَ إِذَا رَدَّهُمْ نَحْوَ الْكُوفَةِ رَدّاً شَدِيداً امْتَنَعُوا عَلَيْهِ فَارْتَفَعُوا وَ لَمْ يَزَالُوا يَتَسَايَرُونَ وَ كَذَلِكَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى نَيْنَوَى الْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْحُسَيْنُ ع فَإِذَا رَاكِبٌ عَلَى نَجِيبٍ لَهُ عَلَيْهِ السِّلَاحُ مُتَنَكِّبٌ قَوْساً مُقْبِلٌ مِنَ الْكُوفَةِ فَوَقَفُوا جَمِيعاً يَنْتَظِرُونَهُ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَى الْحُرِّ وَ أَصْحَابِهِ وَ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى الْحُسَيْنِ ع وَ أَصْحَابِهِ وَ دَفَعَ إِلَى الْحُرِّ كِتَاباً مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ. أَمَّا بَعْدُ فَجَعْجِعْ بِالْحُسَيْنِ حِينَ يَبْلُغُكَ كِتَابِي وَ يَقْدَمُ عَلَيْكَ رَسُولِي وَ لَا تُنْزِلْهُ إِلَّا بِالْعَرَاءِ فِي غَيْرِ حِصْنٍ وَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَ قَدْ أَمَرْتُ رَسُولِي أَنْ يَلْزَمَكَ وَ لَا يُفَارِقَكَ حَتَّى يَأْتِيَنِي بِإِنْفَاذِكَ أَمْرِي وَ السَّلَامُ فَأَخَذَهُمُ الْحُرُّ بِالنُّزُولِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَ لَا فِي قَرْيَةٍ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع دَعْنَا وَيْحَكَ نَنْزِلْ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَوْ هَذِهِ يَعْنِي نَيْنَوَى وَ الْغَاضِرِيَّةِ قَالَ لَا وَ اللَّهِ مَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ هَذَا رَجُلٌ قَدْ بُعِثَ إِلَيَّ عَيْناً عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ إِنِّي وَ اللَّهِ مَا أَرَاهُ بَعْدَ الَّذِي تَرَوْنَ إِلَّا أَشَدَّ مِمَّا تَرَوْنَ بِابْنِ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ قِتَالَ هَؤُلَاءِ الْبُغَاةِ أَهْوَنُ مِنْ قِتَالِ مَنْ يَأْتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ فَلَعَمْرِي لَيَأْتِينَا بَعْدَهُمْ مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ