قلت : قد كانت
جملة من المسائل المتعلّقة بالمعارف عند جماعة من أعاظم هذا العصر من المناكير
التي يضلّلون معتقدها وينسبونه إلى الاختلاط ، كوجود عالم الذّر ، والأظلّة عند
الشيخ المفيد ، وطيّ الأرض عند علم الهدى ، ووجود الجنّة والنار الآن عند أخيه
الرضي ، وأمثال ذلك ممّا يتعلّق بمقاماتهم عليهمالسلام وغيره ، مع تواتر الأخبار بها وصيرورتها كالضروريات في هذه
الأعصار ، وظاهر أنّ من يرى الذي يروي خلاف ما اعتقده ينسبه إلى الاختلاط ، بل
الزندقة ، ومن سبر روايات جابر في هذه الموارد وغيرها يعرف أن نسبة الاختلاط إليه
اعتراف له ببلوغه المقامات العالية ، والذروة السامية من المعارف.
ثم نقول : الظاهر
أن الشيخ المفيد أنشد هذه الأشعار من باب الحكاية والنقل من دون اعتقاد بصدق
مضمونها فيه ، لما تقدم من نصّه على جلالته وعدم تطرق الطعن إليه بوجه في الرسالة
العددية ، واعتماده على رواياته في إرشاده ، وفي كتاب الكافية في موارد متعددة
أشرنا إلى بعضها في ترجمة عمرو ابن شمر [٢].
ثم إن تمسّك
النجاشي لاختلاطه بالأشعار كما هو الظاهر من كونها مستندة فيه ، مع ما رأى من إكثار
أئمّة الحديث مثل : الكليني ، وشيخه عليّ ، والصدوق ، الصفار ، وابن قولويه ،
والشيخ المفيد ـ شيخه ـ في الإرشاد والأمالي والكافية والاختصاص وغيرهم من النقل
عنه عجيب ، وأعجب منه قوله : وقلّما يورد عنه شيء في الحلال والحرام [٣] ، فإن في كثير من
أبواب الأحكام منه خبرا.