نام کتاب : بحار الأنوار - ط مؤسسةالوفاء نویسنده : العلامة المجلسي جلد : 73 صفحه : 203
النعمة عليه ليعرف بها ربه ، ويعلم بها عظمته وجلاله ، وأنه لا يليق الكبرياء إلا به عزوجل.
فلذلك امتن عليه ، فقال تعالى : ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين » [١] وعرف خسته أولا فقال : ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة» [٢] ثم ذكر مننه فقال : فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والانثى » ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل وجوده ابتداء بالاختراع فمن كان هذا بدؤه ، وهذا أحواله ، فمن أين له البطر والكبرياء؟ والفخر والخيلاء؟ وهو على التحقيق أخس الاخساء ، وأضعف الضعفاء.
نعم لو أكمله وفوض إليه أمره ، وادام له الوجود باختياره ، لجاز أن يطغى وينسى المبدء والمنتهى ، ولكنه سلط عليه في دوام وجوده الامراض الهائلة ، والاسقام العظيمة ، والآفات المختلفة ، والطبايع المتضادة : من المرة ، والبلغم ، والريح والدم ، ليهدم البعض من أجزائه البعض ، شاء أم ابى ، رضي أم سخط ، فيجوع كرها ، ويعطش كرها ، ويمرض كرها ، ويموت كرها ، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، ولا خيرا ولا شرا ، يريد أن يعلم الشئ فيجهله ، ويريد أن يذكر الشئ فينساه ويريد أن ينسى الشئ فيغفل عنه فابغفل ، ويريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول في أودية الوسواس والافكار بالاضطرار ، فلا يملك قلبه قلبه ، ولا نفسه نفسه.
يشتهي الشئ ، وربما يكون هلاكه فيه ، ويكره الشئ ، ويكون حياته فيه ، يستلذ الاطعمة فتهلكه وترديه ، ويستبشع الادوية وهي تنفعه وتحييه ، لا يأمن في لحظة من ليله ونهاره أن يسلب سمعه وبصره وعلمه وقدرته ، وتفلج أعضاؤه ويختلس عقله ، ويختطف روحه ، ويسلب جميع ما يهواه في دنياه ، وهو مضطر ذليل ، إن ترك ما بقي ، وإن اختطف فني ، عبد مملوك لا يقدر علي شئ من نفسه ولا من غيره ، فاي شئ اذل منه لو عرف نفسه؟ وأنى يليق الكبر به لولا جهله؟