بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كَفَانَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ وَ بَغْيَ الْحَاسِدِينَ وَ بَطْشَ الْجَبَّارِينَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الطَّوَاغِيتُ وَ أَتْبَاعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الْمَائِلُونَ إِلَيْهَا الْمُفْتَتِنُونَ بِهَا الْمُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ عَلَى حُطَامِهَا الْهَامِدِ وَ هَشِيمِهَا الْبَائِدِ[1] غَداً وَ احْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا وَ ازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْهَا وَ لَا تَرْكَنُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَ مَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ وَ اللَّهِ إِنَّ لَكُمْ مِمَّا فِيهَا عَلَيْهَا لَدَلِيلًا وَ تَنْبِيهاً مِنْ تَصْرِيفِ أَيَّامِهَا وَ تَغَيُّرِ انْقِلَابِهَا وَ مَثُلَاتِهَا[2] وَ تَلَاعُبِهَا بِأَهْلِهَا إِنَّهَا لَتَرْفَعُ الْخَمِيلَ[3] وَ تَضَعُ الشَّرِيفَ وَ تُورِدُ أَقْوَاماً إِلَى النَّارِ غَداً فَفِي هَذَا مُعْتَبَرٌ وَ مُخْتَبَرٌ وَ زَاجِرٌ لِمُنْتَبِهٍ إِنَّ الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ مِنْ مُظْلِمَاتِ الْفِتَنِ[4] وَ حَوَادِثِ الْبِدَعِ وَ سُنَنِ الْجَوْرِ وَ بَوَائِقِ الزَّمَانِ وَ هَيْبَةِ السُّلْطَانِ وَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ لَتُثَبِّطُ الْقُلُوبَ[5] عَنْ تَنَبُّهِهَا وَ تُذْهِلُهَا عَنْ مَوْجُودِ الْهُدَى وَ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ عَصَمَ اللَّهُ فَلَيْسَ يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيَّامِهَا وَ تَقَلُّبَ حَالاتِهَا وَ عَاقِبَةَ ضَرَرِ فِتْنَتِهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ وَ نَهَجَ سَبِيلَ الرُّشْدِ وَ سَلَكَ طَرِيقَ الْقَصْدِ ثُمَّ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِالزُّهْدِ- فَكَرَّرَ الْفِكْرَ وَ اتَّعَظَ بِالصَّبْرِ فَازْدَجَرَ وَ زَهِدَ فِي عَاجِلِ بَهْجَةِ الدُّنْيَا وَ تَجَافَى عَنْ لَذَّاتِهَا وَ رَغِبَ فِي دَائِمِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ رَاقَبَ الْمَوْتَ وَ شَنَأَ الْحَيَاةَ[6] مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ نَظَرَ إِلَى مَا فِي الدُّنْيَا بِعَيْنٍ نَيِّرَةٍ حَدِيدَةَ الْبَصَرِ[7] وَ أَبْصَرَ حَوَادِثَ الْفِتَنِ وَ ضَلَالَ الْبِدَعِ وَ جَوْرَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ فَلَقَدْ لَعَمْرِي اسْتَدْبَرْتُمُ الْأُمُورَ الْمَاضِيَةَ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْفِتَنِ الْمُتَرَاكِمَةِ وَ الِانْهِمَاكِ[8] فِيمَا تَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى تَجَنُّبِ الْغُوَاةِ وَ أَهْلِ الْبِدَعِ وَ الْبَغْيِ وَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ ارْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ طَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِمَّنِ اتُّبِعَ فَأُطِيعَ-
[1] الحطام: ما يكسر من اليبس. و الهامد: البالى المسود المتغير، و اليابس من النبات و الهشيم من النبات: اليابس المتكسّر. و البائد: الذاهب المنقطع أو الهالك.
[2] المثلات: العقوبات.
[3] الخامل: الساقط الذي لا نباهة له.
[4] في بعض النسخ[ ملمات].
[5] التثبيط: التعويق و الشغل عن المراد.
[6] الشناءة: البغض و شنأه: أبغضه.
[7] في بعض النسخ[ حديدة النظر].
[8] الانهماك: التمادى في الشيء و اللجاج فيه.