[1] اعلم أن الرؤية تطلق على الرؤية بالبصر و على
الرؤية القلبية و هي كناية عن غاية الانكشاف و الظهور و المعنى الأول هنا أنسب أي
خف اللّه خوف من يشاهد بعينه و إن كان محالا. و يحتمل الثاني أيضا، فان المخاطب
لما لم يكن من أهل الرؤية القلبية و لم يرتق إلى تلك الدرجة العلية- فانها مخصوصة
بالأنبياء و الأوصياء عليهم السلام- قال:« كأنّك تراه» و هذه مرتبة عين اليقين و
أعلى مراتب السالكين. و قوله:« فان لم تكن تراه» أي إن لم تحصل. لك هذه المرتبة من
الانكشاف و العيان فكن بحيث تتذكر دائما أنّه يراك. و هذه مقام المراقبة كما قال
تعالى:« أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» و المراقبة مراعاة القلب
باشتغاله به و المثمر لها تذكر أن اللّه تعالى مطلع على كل نفس بما كسبت و انه
سبحانه عالم بسرائر القلوب و خطراتها فإذا استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى
مراقبة اللّه سبحانه دائما و ترك معاصيه خوفا و حياء و المواظبة على طاعته و خدمته
دائما. و قوله:« إن كنت ترى» تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك
المعاصى. و الحق أن هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر أرباب المعاصى و لا يمكن التفصّى
عنها الا بالاتكال على عفوه و كرمه سبحانه و من هنا يظهر أنّه لا يجمع الايمان
الحقيقي مع الاصرار على المعاصى كما مرت الإشارة إليه( آت).