أُمِرْتَ بِعَمَلٍ وَ وُعِدْتَ عَلَيْهِ أَجْراً فَأَوْفِ عَمَلَكَ وَ اسْتَوْفِ أَجْرَكَ وَ لَا تَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ شَاةٍ وَقَعَتْ فِي زَرْعٍ أَخْضَرَ فَأَكَلَتْ حَتَّى سَمِنَتْ فَكَانَ حَتْفُهَا[1] عِنْدَ سِمَنِهَا وَ لَكِنِ اجْعَلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ قَنْطَرَةٍ عَلَى نَهَرٍ جُزْتَ عَلَيْهَا وَ تَرَكْتَهَا وَ لَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهَا آخِرَ الدَّهْرِ أَخْرِبْهَا وَ لَا تَعْمُرْهَا[2] فَإِنَّكَ لَمْ تُؤْمَرْ بِعِمَارَتِهَا وَ اعْلَمْ أَنَّكَ سَتُسْأَلُ غَداً إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ أَرْبَعٍ شَبَابِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ[3] وَ عُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَ مَالِكَ مِمَّا اكْتَسَبْتَهُ وَ فِيمَا أَنْفَقْتَهُ فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ وَ أَعِدَّ لَهُ جَوَاباً وَ لَا تَأْسَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّ قَلِيلَ الدُّنْيَا لَا يَدُومُ بَقَاؤُهُ وَ كَثِيرَهَا لَا يُؤْمَنُ بَلَاؤُهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَ جِدَّ فِي أَمْرِكَ وَ اكْشِفِ الْغِطَاءَ عَنْ وَجْهِكَ وَ تَعَرَّضْ لِمَعْرُوفِ رَبِّكَ وَ جَدِّدِ التَّوْبَةَ فِي قَلْبِكَ وَ اكْمُشْ[4] فِي فَرَاغِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْصَدَ قَصْدُكَ[5] وَ يُقْضَى قَضَاؤُكَ وَ يُحَالَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ مَا تُرِيدُ.
21- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مُوسَى ع يَا مُوسَى لَا تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا رُكُونَ الظَّالِمِينَ وَ رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا أَباً وَ أُمّاً[6] يَا مُوسَى لَوْ وَكَلْتُكَ إِلَى نَفْسِكَ لِتَنْظُرَ لَهَا إِذاً لَغَلَبَ عَلَيْكَ حُبُّ الدُّنْيَا وَ زَهْرَتُهَا يَا مُوسَى نَافِسْ[7] فِي الْخَيْرِ أَهْلَهُ وَ اسْتَبِقْهُمْ إِلَيْهِ فَإِنَّ الْخَيْرَ كَاسْمِهِ وَ اتْرُكْ مِنَ الدُّنْيَا مَا بِكَ الْغِنَى عَنْهُ وَ لَا تَنْظُرْ عَيْنُكَ إِلَى كُلِّ مَفْتُونٍ بِهَا وَ مُوكَلٍ إِلَى نَفْسِهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ فِتْنَةٍ بَدْؤُهَا حُبُّ الدُّنْيَا وَ لَا تَغْبِطْ أَحَداً بِكَثْرَةِ الْمَالِ فَإِنَّ مَعَ كَثْرَةِ الْمَالِ تَكْثُرُ الذُّنُوبُ لِوَاجِبِ الْحُقُوقِ وَ لَا تَغْبِطَنَّ أَحَداً بِرِضَى النَّاسِ عَنْهُ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ رَاضٍ عَنْهُ وَ لَا تَغْبِطَنَّ مَخْلُوقاً بِطَاعَةِ النَّاسِ لَهُ فَإِنَّ طَاعَةَ النَّاسِ لَهُ وَ اتِّبَاعَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ
[1]« حتفها» أي هلاكها. و سمن يسمن سمنا: كثر شحمه.
[2]« أخربها» أي دعها خرابا بترك ما لا يحتاج إليه.
[3] البالى هو الذي استعمل حتّى أشرف على الاندراس.
[4] الكمش: السعى. أى أسرع و عجل.
[5]« قصدك» أي نحوك، كناية عن توجه ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه الأمراض و البلايا من اللّه إليه.
[6] أي: فيغدو و يروح إليها متحننا.
[7] من المنافسة و هي الرغبة في الشيء و الانفراد به.