[1] مما لا شك فيه و لا ريب أن التربية مؤثرة في الإنسان في
الجملة و على ذلك بناء عمل النوع الانسانى في جميع أدوار حياته و أنّه يقرب
بالتربية الجميلة الى السعادة و بغيرها إلى غيرها بحسب ما يظن من معنى السعادة و الشقاء
و إن ذلك بواسطة الافعال التي يرى الإنسان تمكنه من فعلها و تركها( الافعال
الاختيارية) فنسبة هذه الافعال الى الإنسان بالإمكان( ممكن أن يفعل و أن لا يفعل)
و كذلك نسبة السعادة و الشقاء( و هما نتيجتا تراكم الأوصاف النفسانية الحاصلة من
هذه الافعال) اليه بالإمكان، هذا و الإنسان أحد أجزاء علة الفعل الصادر عنه كالاكل
مثلا فان ارادة الإنسان أحد أجزاء العلة التي يمكن صدوره منه و إذا فرض مع ارادته
وجود المادة و قربها منه و صلاحية التناول و كذلك جميع ما يتوقف عليه وجوده من
الشرائط و ارتفاع الموانع من غير استثناء أصلا كان الفعل واجب الصدور ضرورى
الوجود( لا يمكن أن لا يقع) اذا عرفت هذا ظهر لك أن السعادة و الشقاء اللذين
يلحقان الإنسان بواسطة أفعاله الاختيارية إذا نسبا الى الإنسان فقط كانت النسبة
فيها الإمكان و الاختيار و إذا نسبا إلى مجموع العلة التامة التي أحد اجزائها
الإنسان كانت النسبة الضرورة و الحتم و أنت تعلم أن القضاء هو علم اللّه تعالى و
حكمه من جهة العلل التامة فمن هنا تعلم أن كل إنسان مقضى في حقه السعادة أو الشفاء
قضاء لا يرد و لا يبدل و لا ينافى ذلك إمكان اختياره السعادة و الشقاء، فقوله( ع)«
إن اللّه خلق السعادة و الشقاء قبل أن يخلق خلقه إلخ» معناه انه تعالى علم أن
العلل التامة مادا يوجب؟؟ حق الإنسان من سعادة و شقاء و حكم بذلك و لا ينافى ذلك
إمكان كون الافعال اختيارية للإنسان و كذا السعادة و الشقاء اللاحقين له من جهة
أفعاله و اللّه تعالى يحب الجميل و يبغض القبيح الشرير فمن كان سعيدا أحبّ اللّه
ذاته و ان كان ربما يصدر عنه الفعل القبيح المبغوض و من كان شقيا أبغض ذاته و ان
كانت ربما يصدر عنه الفعل الحسن المحبوب.
و بهذا البيان يظهر معنى الروايتين التاليتين أيضا، فحكم
اللّه تعالى و قضاؤه يتبع العلة التامة للشيء التي لا يتخلف عنه و أمّا حكم الناس
و قضاؤهم فيتبع علمهم الناقص ببعض جهات الشيء و شطرا من أجزاء علته الموجودة و
لذلك ربما يتخلف فيختم لبعض من هو سعيد عندهم بالشقاء و لبعض من هو شقى عندهم
بالسعادة.( الطباطبائى)