دليلا على جلالة شأنه، و سطوع برهانه، إتّفاق كلمة ائمّة الأعصار و أساطين الفضلاء فى جميع الأمصار، على تسميته بالعالم الربانىّ و شهادتهم له بأنّه لم يوجد مثله فى تحقيق الحقائق و تنقيح المبانّى، و الحكيم الفيلسوف سلطان المحققين و استاد الحكماء و المتكلمين، نصير الملّة و الدّين محمّد الطوسىّ شهد له بالتّبحر بالحكمة و الكلام، و نظم غرر مدائحه فى أبلغ نظام.
و استاد البشر و العقل الحاديعشر، سيد المحقّقين الشّريف الجرجانىّ، على جلالة قدره فى أوائل فنّ البيان، من «شرح المفتاح» قد نقل بعض تحقيقاته الأنيقة و تدقيقاته الرّشيقة، عبّر عنه ببعض مشايخنا ناظما نفسه فى سلك تلامذته، و متفخرا بالأنخراط فى سلك المستفيدين من حضرته، المقتبسين من مشكوة فطرته.
و السيد السّند الفيلسوف الأوحد مير صدر الدّين محمّد الشيرازىّ أكثر النّقل عنه فى حاشية «شرح التجريد» سيّما فى مباحث الجواهر و الأعراض، و التقط فرائد التحقيقات الّتى أبدعها عطّر اللّه مرقده فى كتاب المعراج السماوىّ و غيره من مؤلّفاته، لم تسمح بمثله الأعصار، ما دار الفلك الدّوار؛ و فى الحقيقة من اطّلع على «شرح نهج البلاغة» الّذى صنّفه للصاحب خواجه عطا ملك الجوينّى؛ و هو عدة مجلّدات شهد له بالتّبريز فى جميع الفنون الإسلاميّة و الأدبيّة و الحكمية و الأسرار العرفانيّة.
و من مآثر طبعه اللّطيف و خلقه الشّريف على ما حكاه فى «مجالس المؤمنين» انّه عطّر اللّه مرقده في أوائل الحال كان معتكفا فى زاوية العزلة و الخمول؛ مشتغلا بتحقيق حقايق الفروع و الأصول، فكتب إليه فضلاء الحلّة و العراق صحيفة تحتوى على عذله و ملامته على هذه الأخلاق، و قالوا: العجب منك انّك مع شدّة مهارتك فى جميع العلوم و المعارف، و حذاقتك فى تحقيق الحقايق و ابداع اللّطايف، قاطن فى ظلول الاعتزال، و مخيم فى زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال، فكتب فى جوابهم هذه الأبيات.