و قيل: إنّ الشبلي- رضى اللّه عنه- لمّا وصل إلى مكّة، و نظر إلى البيت فعظم عنده قدر ما ناله و أنشد طربا:
أبطحاء مكّة هذا الّذى
أراها عيانا و هذا أنا
ثمّ لم يزل يكرّرها إلى أن غشى عليه، و له أيضا في التغزّل بنقل بعض معتبرات الأرقام:
لها في طرفها لحظات سحر
تميت بها و تحيى ما تريد
و بستى العالمين بمقلتيها
كأنّ العالمين لها عبيد
الاحظها فتعلم ما بقلبى
و الحظها فتعلم ما اريد
هذا، و من الأخبار له بنقل صاحب «الكشكول» قال: كان الشبلى يصلّى في شهر رمضان خلف إمام. فقرء الإمام «و لو شئنا لنذهبنّ بالّذين أوحينا إليك» فزعف الشبلي زعفة ظنّ الناس أنّ فيها روحه و أخذ يرتعد، و هو يقول: بمثل هذا يخاطب الأحباب يردّد ذلك مرارا، و بنقله أيضا قال: رأى الشبلى صوفيّا يقول: لحجّام احلق رأسى للّه. فلمّا حلقه رفع الشبلي إلى الحجّام أربعين دينارا. و قال: خذها اجرة خدمتك هذا الفقير. فقال الحجّام: إنّما فعلت ذلك للّه، و لا أحلّ عقدا بينى و بينه بأربعين دينارا. فلطم الشبلى رأس نفسه. و قال: كلّ الناس خير منك حتى الحجّام.
انتهى.
و في باب التصوّف من رسالة القشيرى إلى الصوفية أنّه سئل الشبلى لم سمّوا هذه الطائفة بهذه التسمية. فقال: لبقية بقيت عليهم مى نفوسهم و لو لا ذلك لمّا تعلّقت بهم التسمية.
و في باب الصمت قال: كان الشبلى إذا قعد في حلقته و لا يسألونه يقول «و وقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون»
و بالجملة فنوادر أخبار الرجل كثيرة لا يكاد يتحمّلها أمثال هذه العجالات.
و كانت وفاته كما في «وفيات الأعيان» يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذى الحجّة