سائلا إياه أن لا يكلني فيما أعانيه إلى نفسى، و أن يكلأنى
بإلهامه الحق عن تصرفات عقلى و حدسى، و أن يلقى إلى قلبى ما ألقاه إلى من
يلقاه، و يحفظني عن الخطأ و الزلل فيما أطلبه و ألقاه.
و قد قدمت أمام الكلام ثلاث مقدمات تحتوى على أصول فصوص الحكم هذه الكلمات.
الأولى: في تحقيق حقيقة الذات الأحدية
، حقيقة الحق المسماة بالذات الأحدية، ليست غير الوجود البحت من حيث
هو وجود، لا بشرط اللاتعين و لا بشرط التعين، فهو من حيث هو مقدس عن
النعوت و الأسماء لا نعت له و لا رسم و لا اسم، و لا اعتبار للكثرة فيه
بوجه من الوجوه، و ليس هو بجوهر و لا عرض، فإن الجوهر له ماهية غير الوجود و
هو بها جوهر ممتاز عن غيره من الموجودات و العرض كذلك، و هو مع ذلك محتاج
إلى موضع موجود يحل فيه، و ما عدا الواجب فهو إما جوهر و إما عرض، فالوجود
من حيث هو وجود ليس مما عدا الواجب و كل ما هو وجود مقيد فهو به موجود، بل
هو هو باعتبار الحقيقة، غيره باعتبار التعين فلا شيء غيره بحسب الحقيقة. و
إذا كان كذلك فوجوده عين ذاته، إذ ما عدا الوجود من حيث هو وجود عدم صرف، و
الوجود لا يحتاج في امتيازه عن العدم إلى تعين نفى امتناع اشتراكهما في
شيء إذ العدم لا شيء محض و لا يقبل العدم و إلا لكان بعد القبول وجودا
معدوما، كما لا يقبل العدم الصرف الوجود كذلك، و لو قبل أحدهما نقيضه، لكان
من حيث هو بالفعل نقيضه و هو محال، و لاقتضاء القابلية التعدد فيه و لا
تعدد في حقيقة الوجود من حيث هو وجود، بل القابلة لهما الأعيان و أحوالها
الثابتة في العالم العقلي يظهر بالوجود و يخفى بالعدم، و كل شيء موجود
بالوجود فعينه غير وجوده فلم يكن وجودا، و إلا فإذا وجد كان للوجود وجود
قبل وجود وجوده، و الوجود بذاته موجود فوجوده عينه و إلا لكان ماهيته غير
الوجود فلم يكن وجودا، و إلا فإذا وجد كان للوجود وجود قبل الوجود و ذلك
محال، فالوجود بذاته واجب أن يوجد بعينه لا بوجود غيره، و هو المقوم لكل
موجود سواه لأنه موجود بالوجود، و إلا لكان لا شيئا محضا، فهو الغنى بذاته
عن كل شيء و الكل مفتقر إليه و هو الأحد الصمد القيوم،- أَ وَ لَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ-.
الثانية: في بيان حقائق الأسماء و لا تناهيها
. اعلم أن ذات الحق تعالى من حيث هي هي يقتضي علمه بذاته بعين ذاته
لا بصورة زائدة على ذاته و علمه بذاته يقتضي علمه بجميع الأشياء على ما هي
عليه في ذاته و ذلك الاقتضاء هو المشيئة، و قد تطلق عليها الإرادة لكن
الإرادة أخص منها فإنها قد تتعلق بالزيادة و النقصان على سهيل الحدوث و
الظهور و الكون في المظاهر الكونية في العالم الأعلى و الأسفل بالإيجاد و
الإعدام، و الإرادة إنما تتعلق بالإيجاد