وَ من يُسْلِمْ وَجْهَهُ- إِلَى الله- تعالى- وَ هُوَ مُحْسِنٌ
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى- و قوله- آتَيْنا لُقْمانَ
الْحِكْمَةَ- و الإحسان و الحكمة أخوان، لأن الإحسان فعل ما ينبغي، و
الحكمة وضع الشيء في موضعه، و في وصيته لابنه- يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ
بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ- و أول مراتب الإحسان المعاملة
مع الحق بمحض التوحيد، ثم الشهود في الطاعة و العبادة كما في قوله عليه
الصلاة و السلام «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه» أي في غاية الظهور، و من
هذا الباب قوله- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ من
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ في السَّماواتِ أَوْ في الْأَرْضِ
يَأْتِ بِهَا الله- ثم في معاملة الخلق كالإحسان بالوالدين، و جميع وصاياه
لابنه من باب الإحسان:
(إذا شاء الإله يريد رزقا له فالكون أجمعه غذاء)
أي إذا تعلقت مشيئة الله بإرادة الرزق له من حيث أنه عين الوجود
الحق المتعين بأعيان الممكنات، فالكون كله و الأحكام الإلهية الظاهرة
بالكون كلها غذاء له لظهوره بها في ملابس الصفات و الأسماء، فإن الهوية
الإلهية الجمعية من حيث عينها بذاتها غنية عن العالمين و عن الأسماء كلها، و
أما تعلق المشيئة بإرادة الرزق فهو من حيث كونه ظاهرا في مظاهر الأكوان و
أعيان العالم، و الفرق بين المشيئة و الإرادة أن المشيئة عين الذات و قد
تكون مع إرادة و بدونها، و الإرادة من الصفات الموجبة للاسم المريد،
فالمشيئة أعم من الإرادة فقد تتعلق بها و تنقبض بها كمشيئة الكراهة أي
بالإيجاد و الإعدام. و لما كانت الإرادة من الحقائق الأسمائية فلا تقتضي
إلا الوجود فتتعلق بالإيجاد لا غير، و لهذا علقها بالإرادة لتختص بوجود
الرزق، و أصل الكلام أن يريد الرزق لأنها مفعول المشيئة، فحذف إن و رفع
الفعل كقوله
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
(و إن شاء الإله يريد رزقا لنا فهو الغذاء كما يشاء)
أي و إن تعلقت مشيئته بإرادة الرزق لنا من لدنه فهو المراد أن يكون
لنا رزقا من حيث أنه الوجود الحق، فيوجدنا كما يشاء و يختفى فينا و يظهرنا
كالغذاء بالنسبة إلى المغتذى، فإنا نقوش و هيئات و شئون و تعينات لا وجود
لنا و لا تحقق فهو المتعين بنا و مظهرنا و غذاؤنا و رزقنا بالوجود كما نحن
غذاؤه بالأحكام، و في نسخة: فهو الغذاء كما تشاء أي كما تقتضي أعياننا أن
توجد به، و كما أن تحققنا و إبقاءنا بالوجود فكذلك بقاء أسمائه بالأعيان.
(إذا شاء الإله يريد رزقا) له أي أراد الحق سببا لظهور نفسه (فالكون أجمعه غذاء) له من إظهارها إياه و اختفاؤه فيها بالى.
و قيل: إن المشيئة تخصيص المعدوم للوجود و الموجود للعدم، و الإرادة
تخصيص المعدوم للوجود فقط (مشيئته عين إرادته فقولوا بها) أي بالمشيئة قد
شاءها الإرادة فهي أي الإرادة بالمشاء بفتح الميم أي المراد فهذا وجه
اتحادهما، و معنى البيت الأول على تقدير الاتحاد إذا شاء الإله أن يشاء
فحينئذ تكون المشيئة المشاء و يفرق بينهما بفرق آخر بقوله