نام کتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد نویسنده : ابن رشد جلد : 1 صفحه : 384
أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن أيتام ورثوا
خمرا ، فقال أهرقها ، قال : أفلا أجعلها خلا ؟ قال : لا فمن فهم من المنع
سد ذريعة حمل ذلك على الكراهية ، ومن فهم النهي لغير علة قال بالتحريم ،
ويخرج على هذا أن لا تحريم أيضا على مذهب من يرى أن النهي لا يعود بفساد
المنهي . والقياس المعارض لحمل الخل على التحريم أنه قد علم من ضرورة الشرع
أن الاحكام المختلفة إنما هي للذوات المختلفة ، وأن الخمر غير ذات الخل ،
والخل بإجماع حلال ، فإذا انتقلت ذات الخمر إلى ذات الخل وجب أن يكون حلالا
كيفما انتقل . الجملة الثانية : في استعمال المحرمات في حال الاضطرار .
والاصل في هذا الباب قوله تعالى : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما
اضطررتم إليه ) والنظر في هذا الباب في السبب المحلل وفي جنس الشئ المحلل
وفي مقداره . فأما السبب ، فهو ضرورة التغذي : أعني إذا لم يجد شيئا حلالا
يتغذى به ، وهو لا خلاف فيه . وأما السبب الثاني : طلب البرء ، وهذا
المختلف فيه ، فمن أجازه احتج بإباحة النبي عليه الصلاة والسلام الحرير
لعبد الرحمن بن عوف لمكان حكة به ، ومن منعه فلقوله عليه الصلاة والسلام :
إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها . وأما جنس الشئ المستباح فهو كل
شئ محرم مثل الميتة وغيرها ، والاختلاف في الخمر عندهم هو من قبل التداوي
بها لا من قبل استعمالها في التغذي ، ولذلك أجازوا للعطشان أن يشربها إن
كان منها ري ، وللشرق أن يزيل شرقه بها . وأما مقدار ما يؤكل من الميتة
وغيرها فإن مالكا قال : حد ذلك الشبع والتزود منها حتى يجد غيرها ، وقال
الشافعي وأبو حنيفة : لا يأكل منها إلا ما يمسك الرمق ، وبه قال بعض أصحاب
مالك . وسبب الاختلاف : هل المباح له في حال الاضطرار هو جميعها أم ما يمسك
الرمق فقط ؟ والظاهر أنه جميعها لقوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا
عاد ) واتفق مالك والشافعي على أنه لا يحل للمضطر أكل الميتة إذا كان
عاصيا بسفره لقوله تعالى : ( غير باغ وعاد ) وذهب غيره إلى جواز ذلك .