نام کتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد نویسنده : ابن رشد جلد : 1 صفحه : 382
قالوا : وهذا النوع من القياس يلحق بالنص ، وهو القياس الذي ينبه الشرع على العلة فيه .
وقال المتأخرون من أهل النظر : حجة الحجازيين من طريق السمع أقوى
وحجة العراقيين من طريق القياس أظهر ، وإذا كان هذا كما قالوا فيرجع الخلاف
إلى اختلافهم في تغليب الاثر على القياس ، أو تغليب القياس على الاثر إذا
تعارضا وهي مسألة مختلف فيها ، لكن الحق أن الاثر إذا كان نصا ثابتا ،
فالواجب أيغلب على القياس ، وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتملا للتأويل فهنا
يتردد النظر : هل يجمع بينهما بأن يتأول اللفظ أو يغلب ظاهر اللفظ على
مقتضى القياس ؟ وذلك مختلف بحسب قوة لفظ من الالفاظ الظاهرة ، وقوة قياس من
القياسات التي تقابلهولا يدرك الفرق بينهما إلا بالذوق العقلي كما يدرك
الموزون من الكلام من غير الموزون ، وربما كان الذوقان على التساوي ، ولذلك
كثر الاختلاف في هذا النوع حتى قال كثير من الناس : كل مجتهد مصيب .
قال القاضي : والذي يظهر لي والله أعلم أن قوله عليه الصلاة والسلام
كل مسكر حرام وإن كان يحتمل أن يراد به القدر المسكر لا الجنس المسكر ،
فإن ظهوره في تعليق التحريم بالجنس أغلب على الظن من تعليقه بالقدر لمكان
معارضة ذلك القياس له على ما تأوله الكوفيون ، فإنه لا يبعد أن يحرم الشارع
قليل المسكر وكثيره سدا للذريعة وتغليظا ، مع أن الضرر إنما يوجد في
الكثير ، وقدثبت من حال الشرع بالاجماع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر
الواجب ، فوجب كل ما وجدت فيه علة الخمر أن يلحق بالخمر ، وأن يكون على من
زعم وجود الفرق إقامة الدليل على ذلك ، هذا إن لم يسلموا لنا صحة قوله
عليه الصلاة والسلام ما أسكر كثيره فقليله حرام فإنهم إن سلموه لم يجدوا
انفكاكا فإنه نص في موضع الخلاف ، ولا يصح أن تعارض النصوص بالمقاييس ،
وأيضا فإن الشرع قد أخبر أن في الخمر مضرة ومنفعة ، فقال تعالى :
﴿ قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ﴾
وكان القياس إذا قصد الجمع بين انتفاء المضرة ووجود المنفعة أن يحرم
كثيرها ويحلل قليلها ، فلما غلب الشرع حكم المضرة على المنفعة في الخمر
ومنع القليل منها والكثير ، وجب أن يكون الامر كذلك في كل ما يوجد فيه علة
تحريم الخمر ، إلا أن يثبت في ذلك فارق شرعي .
واتفقوا على أن الانتباذ حلال ما لم تحدث فيه الشدة المطربة الخمرية
لقوله عليه الصلاة والسلام فانتبذوا وكل مسكر حرام ، ولما ثبت عنه عليه
الصلاة والسلام أنه كان ينتبذ ، وأنه كان يريقه في اليوم الثاني أو الثالث
واختلفوا من ذلك في مسألتين : إحداهما : في الاواني التي ينتبذ فيها ،
والثانية : في انتباذ شيئين مثل البسر والرطب ، والتمر والزبيب .
فأما المسألة الاولى : فإنهم أجمعوا على جواز الانتباذ في الاسقية ، واختلفوا فيما
نام کتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد نویسنده : ابن رشد جلد : 1 صفحه : 382