فلما قويت شوكة الإسلام ورفعت له رايات وألويه ، لم يكن علي عليه
السلام قط تحت لواء أحد ، وكان المقدم في سائر الغزوات إذا لم يكن الرسول ،
وإذا حضر فهو تاليه وصاحب الراية واللوى معا ، ولا فر من رجف قط ، وذلك
إجماع من الأمة .
فأما أبو بكر وعمر إنهما فرا في غير موضع ، وكانا تحت لواء جماعة ،ويوم خبير وغيره يدل على ذلك .
ومعلوم أن من حاله هذا فهو ممن يحبه الله ورسوله ، وأما يوم خيبر
انهزم من انهزم ، وقد أهل لجليل المقام راية من أهل [1] ، فكان بانهزامه
من الفساد ما لا يخفى به على الأولياء .
ثم أعطي صاحبه الراية بعده ، فكان من انهزامه مثل الذي سلف من الأول ، وخيف ذلك على الإسلام ، وشابه ما كان من الرجلين الانهزام .
فأكبر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأظهر النكير والمساءة به
، ثم قال معلنا : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله
ورسوله كرار غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده .
فأعطاها لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، فبان بقول النبي - الذي لا ينطق عن الهوى - ثبوت هذه المحبة [2] .
ولو لا اختصاص علي بغاية هذه المزية لاقتضى الكلام خروج الجماعة
[1]المهلل : الذي يحمل على قرنه ثم يجبن فينثني ويرجع .
[2]رويت أحاديث كثيرة جدا في فتح خيبر وإعطاء الراية لعلي عليه السلام ،
أنظرها مثلا في : المناقب لابن المغازلي ص 176 ، تاريخ الطبري 3 / 11 ،
المسند للإمام أحمد 5 / 358 ، صحيح مسلم 4 / 1871 ، فرائد السمطين 1 / 253 .