البرهان الثاني : لما كان للموجودات الواقعة تحت الوجود خالق ،
وكان البشر من جملتها مختصا [1] بالتميز والثواب والعقاب ، حكم العقل بأن
يكون باحثا عن معرفة خالقه ومصالحه .
لما كان العقل موجبا على البشر معرفة خالقه ، وكان لاسبيل له إلى أن
يعرف أن خالقه هل هو محسوس فيطلبه ، أو معقول فيبحث عنه ، وكان ذلك مؤديا
إياه إلى الحيرة والضلال ، وجب من تمام الرحمة أن يكون الله تعالى لما كان
متنعا عن الرؤية فيتولى بذاته [2] هدايتهم إلى المعارف به فيما بين البشر
، واسطة بينه وبينهم يهديهم ، ويعرفهم معرفة خالقهم .
والواسطة هو المتولي لاداء المعارف التي هي الرسالة ، إذا الرسالة واجبة .
البرهان الثالث : لما كانت الانفس في ابتداء نشوئها غير عالمة
بذاتها ، وكانت للآخرة أنشأت [3] التي هي دار الجزاء ، وكانت هاتيك الدار
مع جلالتها واحتوائها على ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب
بشر غير مرئية فتراها وترغب فيها ، وجب من تمام رحمة الله تعالى أن يكون
لها باعث يعلمها خيرها ويرغبها في خيراتها ، ويعبر عنها بالمحسوسات ليقرب
إلى الافهام تصورها ،والباعث هو الرسول المؤيد .
إذا الرسالة واجبة .
البرهان الرابع : لما كان كل شئ لاايتحد بحد شئ فهو مبائن منه مفارق
له ، وكان ما يتحد بحد غيره فهو في أفقه ومن جملته وصورته ، وكانت الانفس
مصيرها إلى العالم النفساني بطاعتها لله