الطيب هكذا روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه كان يأكل
السكباج الاصفر في احرامه ولان قصده بهذا الطعام التغذى لا التطيب وان أكل
الزعفران من غير أن يكون في الطعام فعليه دم ان كان كثيرا لان الزعفران لا
يتغذى به كما هو وانما يجعل تبعا للطعام ومن أكل الزعفران كما هو يضحك حتى
يموت فكان هو بالاكل مطيبا فمه بالزعفران وهو عضو فيلزمه الدم فأما إذا جعل
في الطعام فقد صار مستهلكا فيه ان كان في طعام قد مسته النار وان كان في
طعام لم تمسه النار مثل الملح وغيره فلا بأس به أيضا لانه صار مغلوبا فيه
والمغلوب كالمستهلك الا أن يكون الزعفران غالبا على الملح فحينئذ هو
والزعفران البحت سواء وان مس طيبا فان لزق بيديه تصدق بصدقة الا أن يكون
مالزق بيديه كثيرا فحينئذ يلزمه الدم وقد بينا حد الكثير فيه وان لم يلتزق
به شئ فلا شئ عليه بمنزلة ما لو اجتاز في سوق العطارين وان استلم الركن
فأصاب فمه أو يده خلوق كثير فعليه دم وان كان قليلا فعليه صدقة إذ لا فرؤق
بين أن يكون الخلوق التزق به من الركن أو من موضع آخر (قال) ولا بأس بأن
يكتحل المحرم بكحل ليس فيه طيب فان كان فيه طيب فعليه صدقة الا أن يكون
كثيرا فعليه الدم لان الكحل ليس بطيب فلا يمنع من استعماله وان كان فيه طيب
فتتفاوت الجناية باستعماله من حيث القلة والكثرة كما في سائر الاعضاء وان
كان من أذى فعليه أي الكفارات الثلاث شاء لما بينا أن فيما يجب فيه الدم
على المحرم إذا لم يكن معذورا فان كان عن عذر وضرورة يتخير بين الكفارات
الثلاث وكذلك لو تداوى بدواء فيه طيب فألزقه بجراحه أو شرب شرابا لان
التداوى يكون عن ضرورة وان داوى قرحة بدواء فيه طيب فألزقه بجراحه ثم خرجت
به قرحة أخرى والاولى على حالها فداوى الثانية مع الاولى فليس عليه الا
كفارة واحدة فكأنه فعل الكل دفعة واحدة إذا لم تبرأ الاولى لان الجنايات
استندت إلى سبب واحد (قال) وللمحرم أن يبط القرحة ويجبر الكسر ويعصب عليه
وينزع ضرسه إذا اشتكى ويحتجم ويغتسل ويدخل الحمام لان هذا كله منباب
المعالجة فالمحرم والحلال فيه سواء.
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة
ودخل عمر رضى الله تعالى عنه الحمام بالجحفة وهو محرم (قال) وان غسل رأسه
ولحيته بالخطمى فعليه دم في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى
يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليه صدقة لان الخطمى ليس بطيب بل هو
كالاشنان يغسل به