وأخوه غائب وأقام البينة انه قتل أباه عمدا فانى أقبل ذلك وأحبس
القاتل فإذا قدم أخوه كلفهم جميعا أن يعيدوا البينة في قول أبى حنيفة وقال
أبو يوسف ومحمد لا يكلفهم اعادة البينة ولو كان هذا في دم خطأ لم يكلفوا
اعادة البينة في قولهم جميعا وأجمعوا أن الحاضر لا يستوفى القصاص لتوهم
العفو منه لهما إذ كل واحد منهما من الورثة خصم عن نفسه وعن أصحابه فيما
يدعي للميت ويدعى عليه كما في الخطأ وغيره من الحقوق ولان القصاص حق الميت
بدليل انه لو عفا عن الجارح صح وانقلب مالا تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه
ويورث عنه ولهذا لو أقام القاتل البينة على صلح الغائب أو عفوه تقبل بينته
ولو لم يكن الحق للميت لما قبلت لما فيه من القضاء على الغائب وإذا كان حق
الميت فاقام الواحد مقام الجميع فكانت البينة قائمة على الخصم فلا يكلف
اعادتها ولابي حنيفة ان القصاص حق الميت من وجه وحق الورثة من وجه ولو كان
كله حق الورثة يكلف اعادة البينة لان بعض الورثة لا يقوم مقام الكل فيما هو
من خالص حقهم ولو كان حق الميت من كل وجه لا يكلف اعادة البينة فلما كان
لكل واحد منهما حق كان المصير إلى الاحتياط استعظاما لامر الدم واجبا ولان
القصاص معدول به عن سائر الاحكام للاستقصاء ( ألا ترى ) ان القاتل إذا ادعى
العفو وقال لى بينة على ذلك وأجله القاضى أياما ولم يقدر على اقامتها فانه
لا يعجل بالقصاص ويتأنى بعد ذلك أياما هكذا ذكره محمد رحمه الله في الاصل
بخلاف سائر الحقوق ولهذا لا يجوز اقرار وكيل القاتل على موكله بالقصاص
بخلاف سائر المواضع والاحتياط أن يلحق هذا بالحقوق التى هي للورثة حتى انه
يؤمر باقامة البينة فربما يعجز عن اقامتها فيسقط القصاص وانما قلنا انه
يشبه حق الميت لما ذكروبيان انه يشبه حق الروثة انهم لو عفوا عن الجارح في
حياة المورث جاز عفوهم ولو لم يكن لهم حق لا يجوز كما لو أبرأ عن الدين في
حياته بخلاف الصلح والعفو لانه يثبت مع الشبهات والقصاص من وجه كالمورث لان
ثبوته للوارث على سبيل الخلافة ومن وجه هو ثابت للوارث ابتداء وما ترد بين
أصلين يوفر حظه عليهما ففيما يثبت مع الشبهات يجعله كالموروث وفيما يندرئ
بالشبهات نجعله كالواجب لكل واحد منهما ابتداء فلا يكون أحد منهما خصما عن
الآخر في اقامة البينة عليه وهذا بخلاف الخطأ فان موجبه المال وهو موروث
للورثة عن الميت بعد ما تفرغ عن حاجته فكان بمنزلة سائر الورثة ينتصب كل
وارث خصما عن الميت وعن سائر الورثة في اثباته على ان الخطأ ليس مبناه على
التغليظ بدليل قبول شهادة النساء مع الرجال