نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 82
فإنه معذور عند الله لحسن تفضل من الله، و هو أقرب إلى العفو و السلامة ممن
اغتبط بمقامه و اطمأن و رضي بحاله، أو كان مقامه على هوى أو لاختلاف أسباب
الفتنة و الدنيا.
قال الله تعالى: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها
[النساء: 97]. في التفسير:
إذا كنت في بلد يعمل فيه بالمعاصي فتحول منه إلى غيره. و قيل: إذا كان
العبد في بلد من يعمل فيه بالمنكر و المعاصي أضعف أو أقل من أهل الدين و
المعروف، ثم لم ينكر ذلك فقد وجب الخروج منه. ثم قال عزّ و جلّ في قوم من
المستضعفين عذرهم و أرجى إلى العفو أمرهم: وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ من
الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا
أَخْرِجْنا من هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها [النساء: 75]. و قال
تعالى في تمام وصفهم و استثنائهم من غيرهم: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ
لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ
[النساء: 98- 99]. و لا يصح الرضا إلا بالعصمة من جميع الهوى، و أوّل الرضا
القناعة. و قال بعض أهل المعرفة: لا يكون العبد قانعا حتى لو جاء إلى باب
منزله جميع ما يرغب فيه أهل الدنيا من الاتساع و النعمة، فعرض عليه لم ينظر
إلى ذلك و لم يفتح بابه قناعة منه بحاله. و العصمة حال الراضي عن الله عزّ
و جلّ، و هي ظاهر الرحمة. و الرحمة أول الرضا من الله تعالى. قال الله
سبحانه و تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ
رَبِّي [يوسف: 53]. و قال تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ من أَمْرِ الله
إِلَّا من رَحِمَ [هود: 43].
فالعصمة من الله لعبده دليل على الرحمة منه، ثم تدخله في مقام المحبة و هي
رحمة المحبوبين، ثم ترفعه إلى الرضا فتكون المحبة مقامه عن شهادة محبوب، و
يكون الرضا حاله في جميع تصريف البقية و المطلوب، و هذا آخر كتاب الرضا.
ذكر أحكام المحبة و وصف أهلها و هو المقام التاسع من مقامات اليقين
المحبة من أعلى مقامات العارفين، و هي إيثار من الله تعالى لعباده المخلصين
و معها نهاية الفضل العظيم. قال الله جلت قدرته: يُحِبُّهُمْ وَ
يُحِبُّونَهُ [المائدة: 54].
ثم قال الله تعالى: ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من يَشاءُ [الحديد: 21]. و
هذا الخبر متصل بالابتداء في المعنى لأنّ الله تعالى وصف المؤمنين المحبين
بفضله عليهم، و ما اعترض بينهما من الكلام فهو نعت المحبوبين. و روي عن
النبي صلى الله عليه و سلم: ما كان الله ليعذب حبيبه بالنار. و قال الله
عزّ و جلّ مصداق قول نبيه عليه السلام، ردّا على من ادعى محبته و احتجاجا
عليهم: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ
مِمَّنْ خَلَقَ [المائدة: 18].
و قال زيد بن أسلم: إنّ الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اصنع
ما شئت فقد غفرت لك. و روينا عن إسماعيل بن أبان عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم: إذا أحب الله
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 82