نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 374
و الحسد، إن الغبطة أن تحب لنفسك ما رأيته من أخيك، و لا تحب زواله عنه بل
تبقيته له و إتمامه عليه و الحسد ما أردت أن يكون ذلك منه لك، و أحببت
زواله عنه و كرهت تبقيته عليه، فهذا مكروه، فإن سعيت في ذلك بقول أو فعل
فهو البغي زيادة على الحسد، و هو من كبائر المعاصي. و كذلك الفرق بين
الفراسة و سوء الظن إن الفراسة ما توسمته من أخيك بدليل يظهر لك أو شاهد
يبدو منه أو علامة تشهدها فيه، فتتفرس من ذلك فيه و لا تنطق به إن كان
سوءا، و لا تظهره و لا تحكم عليه و لا تقطع به فتأثم، و سوء الظن ما ظننته
من سوء رأيك فيه أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال
فيك، تعرفها من نفسك فتحمل حال أخيك عليها و تقيسه بك، فهذا هو سوء الظن و
الإثم، و هو غيبة القلب و ذلك محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم: إنّ
الله تعالى حرم من المؤمن دمه و ماله و عرضه، و إن تظن به ظن السوء و قوله
عليه السلام: إياكم و الظن، فإن الظن أكذب الحديث، فهذه خمس معان و أضدادها
بينها فرق عند العلماء، فاعرف ذلك. و ينبغي أن ينصر أخاه و يعينه بماله و
لسانه و قلبه و أفعاله، فإن النصرة في الله تعالى تكون بهذه المعاني
الأربع: بالنفس إن احتاج إليك في الأفعال، و باللسان إن ظلم في المقال، و
بالمواساة إن احتاج إلى المال، و أقل ذلك بالقلب أن يساعده في الهم و الكرب
في اعتقاد السلامة فيه و جميل النية له، و عليه أن يحفظ غيبه و أن يحسن
الثناء عليه و ينشر فضله و يطوي زلله و يقبل علله.
و يقال: ما من الناس أحد إلّا له محاسن و مساو، فمن ظهرت محاسنه فغلبت
مساوئه فهو المؤمن المقتصد، فالأخ الشفيق الكريم يذكر أحسن ما يعلم في
أخيه، و المنافق اللئيم يذكر أسوأ ما يعلم فيه، و من هذا جاء في الخبر:
أستعيذ باللَّه من جار السوء الذي إن رأى خيرا ستره، و إن رأى شرّا أظهره، و
هذا المعنى هو سبب قول النبي صلى الله عليه و سلم إن من البيان سحرا، إذ
لكل حديث يروي آخره سبب يكون أوله خرج الحديث عليه، و هو أنّ رجلا أثنى على
رجل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما كان الغد ذمه و عابه فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم: أنت بالأمس تثني عليه و اليوم تذمه، فقال: و
الله لقد صدقت عليه بالأمس و ما كذبت عليه اليوم، إنه أرضاني بالأمس، فقلت
أحسن ما أعلم فيه و أغضبني اليوم فقلت أسوأ ما أعلم فيه، فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم عند ذلك: إنّ من البيان سحرا كأنه كره ذلك إن شبهه
بالسحر، لأن السحر حرام، و لهذا قال صلى الله عليه و سلم في الخبر الآخر
البذاء و البيان شعبتان من النفاق. و في الحديث الآخر أنّ الله تعالى كره
لكم البيان، كل البيان، و قد قال الإمام الشافعي رحمه الله في وصف العدالة
قولا استحسنه العلماء. و حدثنا عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت
الشافعي يقول: ما أحد من المسلمين يطيع الله عزّ و جلّ حتى لا يعصيه، و لا
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 374