نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 331
عليكم و رحمة، إلّا إنهم يفضّلون به عليكم. و نحن فلم نقل: ليس الغنى طريقا
للأغنياء إلى الله و إنما فضّلنا طريق الفقراء لأنهم الأمثل فالأمثل
بالأنبياء. و عن الحسن في قوله عزّ و جلّ: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ
لا الْأَمْواتُ [فاطر: 22]. قال: الفقراء و الأغنياء، فجعل الفقراء أحياء
بمولاهم، و جعل الأغنياء موتى بدنياهم. و قال الثوري رحمه الله: إذا رأيت
الفقير يداخل الأغنياء فاعلم أنه مراء، و إذا خالط السلطان فاعلم أنه لصّ. و
قال بعض العارفين: إذا مال الفقير إلى بعض الأغنياء نحلت عروته، فإذا طمع
فيهم انقطعت عصمته، فإذا سكن إليهم ضلّ. فمن فضل الغنى على الفقر بعد
الأخبار التي وردت في تفضيل الفقر و الفقراء و الغنى و الأغنياء فأحسن حاله
الجهل بالسنن لإيثار الرأي و الهوى على ما فيه أثر و سنّة، لأن الأثر إذا
جاء في شيء لم يكن للرأي فيه مدخل، و كان في مخالفته مع العلم به عناد و
محادة. نعوذ باللَّه من الجهل و الهوى و نسأله التوفيق للعلم و التقوى.
ذكر حكم من لا معلوم له من الأسباب
فإن لم يكن للفقير معلوم من الدنيا و كان رزقه قد أجرى على أيدي العباد من
غير تعويض منه لهم من صنائع الدنيا معتاد. فقد روينا عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم: إن هذا المال مال الله فمن أخذه بحقه بورك له فيه، و من أخذه
بإشراف نفس لم يبارك له فيه: فكان كالآكل و لا يشبع. و روينا عمن أتاه شيء
من هذا المال من غير مسألة و لا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله تعالى
إليه. و في لفظ آخر فلا يرده فإن كان محتاجا إليه و إلّا فليصرفه إلى من هو
إليه أحوج منه. و روينا عن الحسن و عطاء حديثا مرسلا أن النبي صلى الله
عليه و سلم قال: من أتاه رزقه من غير مسألة فردّه فإنما هو يرده على الله. و
روينا عن عابد بن شريح عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم: ما
المعطي من سعة بأعظم أجرا من الآخذ إذا كان محتاجا. و قال بعض العلماء:
لو هرب العبد من رزقه لطلبه حتى يصل إليه كما لو هرب من الموت لأدركه. و
قال أبو محمد رحمه الله: لو أنّ العبد سأل ربه فقال: لا ترزقني لما استجاب
له و كان عاصيا.
و يقال له: يا جاهل لا بدّ أن أرزقك كما خلقتك. و قد حدثنا بعض العارفين
أنه زهد في الدنيا فبلغ من زهده أن فارق الناس و خرج من الأمصار. و قال: لا
أسأل أحد أشياء حتى يأتيني رزقي إن كان لي رزق. قال: فأخذ يسيح فأقام في
سفح جبل سبعا لم يأته شيء حتى كاد أن يتلف. قال: يا رب إن أحييتني فأتني
برزقي الذي قسمت لي و إلّا فاقبضني إليك فأوحى الله تعالى إليه: و عزتي لا
أرزقنّك حتى تدخل الأمصار و تقيم بين الناس، فدخل المصر للأمر، و أقام بين
ظهراني الناس، فجاءه هذا بطعام، و هذا بأدام، و هذا بشراب، فأكل و شرب
فأوجس في نفسه من ذلك، فأوحى الله إليه: أردت أن تذهب حكمتي
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 331