قالت : رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ، ولم تشغله النعمة التي شغلتك .
قال : فهل سمعتِ كلامه ؟
قالت : نعم والله ، فكان يجلو القلوب من العمى ، كما يجلو الزيتُ صدأ الطست .
قال : صدقتِ ، فهل لك من حاجة ؟
قالت : أوتفعل إذا سألتك ؟
قال : نعم .
قالت : تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها .
قال : ماذا تصنعين بها ؟
قالت : أغذوا بألبانها الصغار ، واستحيي بها الكبار ، واكتسب بها المكارم ، وأصلح بها بين العشائر .
قال : فإن أعطيتك ذلك فهل أحلُّ عندك محلّ عليّ بن أبي طالب ؟
قالت : ماء ولا كَصَدَّاء [1] ، ومرعى ولا كسعْدان [2] ، وفتىً ولا كمالك ، يا سبحان الله أو دونه .
فأنشأ معاوية يقول :
إذا لـمْ أعدْ بالحلمِ منّـي عليكُمُ *** فَمَنْ ذا الذي بَعدي يُؤمّلُ للحلمِ
خُذيها هنيئاً واُذكري فِعلَ ماجدٍ *** جزاكِ على حربِ العداوةِ بالسلمِ
ثم قال : أما والله لو كان عليّ حيّاً ما أعطاكِ منها شيئاً .
قالت : لا والله ، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين [3] .
[1]ـ صَدَّاء : عين ما عندهم أعذب منها ، ومنه : ماء ولا كَصَدَّاء . القاموس المحيط 1 : 20 ( صدأ )
[2]ـ السعْدان : نبت من أفضل مراعي الإبل ، ومنه : مرعى ولا كسعْدان . القاموس المحيط 1 : 302 ( سعد ) .
[3]ـ العقد الفريد 1 : 352 .