نام کتاب : رسائل الشهيد الثاني نویسنده : الشهيد الثاني جلد : 2 صفحه : 803
فكيف لا يسمح العاقل بترك لذّةٍ في الحال للتوصّل إلى هذه المزايا التي هي غير مقدّرة و لا محدودة و لا آخر لها؟
ما التقاعدُ عن تحصيل هذه السعادة، و الفتور عن تهيئة أسبابها إلا لضعف الإيمان باليوم الآخر، و إلا فالعقل الناقص قاض بالتشمير لسلوك سبيل السعادة فضلًا عن الكامل.
[محاسبة النفس كلّ يوم]
و اعلم أنّ ضبط العمر في تحصيل السعادة لا يتمّ إلا بمراعاة النفس كلّ يوم و محاسبتها، ثُمّ مراقبتها ثمّ معاقبتها على تقدير التقصير أو الفتور، كما هو اللازم مع معاملي الدنيا، القليل خطرها، التي لا يضرّ زوال ما زال منها، و لا فوات ما فات منها.
فكما أنّ التاجر يستعين بشريكه فيسلّم إليه المال حتّى يتّجر، ثمّ يحاسبه و يراقبه و يعاقبه إنْ قصّر، و يعاتبه إنْ غُبن؛ فكذلك العقل هو التاجر في طريق الآخرة، و مطلبه و ربحه تزكية النفس بتخلّيها عن الخصال الذميمة، و تحلّيها بالخلال الحميدة، فبذلك فلاحها؛ قال الله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا وَ قَدْ خٰابَ مَنْ دَسّٰاهٰا[1].
و العقل يستعين بالنفس في هذه التجارة، و يستعملها فيما يزكّيها، كما يستعين التاجر بشريكه، و غلامه الذي يتّجر في ماله.
و كما أنّ الشريك يصير خصماً منازعاً يجاذبه [2] في الربح فيحتاج إلى أنْ يشارطه أوّلًا، و يراقبه ثانياً، و يحاسبه ثالثاً، و يعاتبه أو يعاقبه رابعاً؛ فكذلك العقل يحتاج إلى مشارطة النفس أوّلًا فيوظّف عليها الوظائف، و يشرط عليها