علماً
و عملًا و قدرة و بصيرة و فكراً و إحاطة بدقائق الأُمور، و كان وجوده علماً و
إدراكاً و دراية و حكمة، و لم يقصر ببصره على الدنيا، بل امتدّ نظره إلى الآخرة
بما يجعله قادراً على إرشاد الناس و هدايتهم إلى الفلاح و السعادة و الفوز
بالحياة الأبديّة، بل إذا كان علمه خارقاً محيطاً بجميع الكمالات و السعادات
الأبديّة، و كان له عقل نوراني ليس معه ظلمة، بل كان كائناً ملائكياً و منبعاً
للفضائل و الخصال الحميدة، فهل ترى الفطرة في هذه الحالة أن تكون طاعته محصورة في
حدود معينة، كأن يُطاع في مورد و يعصى في آخر؟ أم أنّ الفطرة تقتضي التسليم له و
اتّباعه حيثما حلّ و الاستسلام إلى حكومته و تفويضه كافّة مقدّرات حياته، ليتسنى
له أن يبلغ الكمال الإنساني، و بالتالي يكون المجتمع مجتمعاً مقتدراً فاضلًا يسوده
العدل و القسط حتّى تصبح البلاد في ظلّ طاعته بمثابة المدينة الفاضلة؟ لا شكّ أنّ
حكم العقل و اقتضاء الفطرة يرى أنّ طاعة مثل هؤلاء الرجال العِظام لا بدّ أن تكون
طاعة مطلقة عمياء، و سوف لن تعدّ هذه الطاعة مذمومة، و لا تتعارض مع الوجدان و
العقل و لا تتضارب و الطبيعة الأُولى في عدم أحقيّة حكومة فرد لآخر، بل هي طاعة
سليمة كما يراها العقل و يدعو إليها. فالذي نخلص إليه ممّا سبق أنّ الأصل الأوّلي
و إن أفاد عدم حكومة و إمرة فرد على آخر، إلّا أنّ هذا الأصل لا يصدق في بعض
الأحوال؛ لأنّ العقل يحكم بلزوم طاعة الأُمّة لأفرادها من ذوي الفضل و الكمال، لكن
إذا كان فضله و امتيازه محدوداً كانت طاعته محدودة أيضاً، و إن كانت امتيازاته
مطلقة كانت طاعته مطلقة في كلّ شيء.
لمن
الطاعة؟
سؤال:
إنّ ما قيل على سبيل الفرض هو عين الصواب؛ لأنّ العقل يقضي