و بعبارة اخرى:
معنى كون الشيء واجباً في الواقع أنّه أراد المولى بالإرادة الحتمية أن يوجده
المكلّف في الخارج، و بعثه إليه بالبعث الفعلي، و معنى حجّية قول العادل جواز
تطبيق العمل على طبق إخباره و متابعة قوله، فإذا أخبر بعدم وجوب ما يكون واجباً في
الواقع فمعنى حجّية قوله يرجع إلى كون المكلّف مرخّصاً في تركه، و حينئذٍ فكيف
يجتمع البعث الحتمي إلى الفعل و الإرادة الحتمية مع الترخيص في الترك.
و من هذا التوجيه يظهر: أنّ أكثر الأجوبة التي أوردها الأعاظم في كتبهم ممّا لا
يرتبط بالإشكال؛ ضرورة أنّ دعوى عدم كون المقام مشتملًا على حكمين؛ لأنّ الحجّية
غير جعل الحكم، أو دعوى كون الحكم المجعول هو الحكم الطريقي الغير المنافي للحكم
الواقعي، أو غيرهما من الأجوبة التي سيأتي التعرّض لبعضها ممّا لا يرتبط بالإشكال؛
لأنّ بعد تسليم تلك الأجوبة يبقى الإشكال بحاله، كما لا يخفى.
و التحقيق في الجواب أن يقال: إنّه لا إشكال في كون الأحكام الواقعية الفعلية مجعولة على
جميع المكلّفين، من دون أن يكون للعلم دخل في فعليتها؛ لما عرفت في بعض المباحث
السابقة من أنّ المراد بالحكم الفعلي ليس إلّا الأحكام التي اعطيت بيد الإجراء، و
كان المقصود بها أن يأخذها الناس، و يعملوا بها.
و هذا لا فرق فيه بين أن يكون المكلّف عالماً بها أو
جاهلًا، مضافاً إلى أنّ أخذ العلم بالحكم في موضوعه مستحيل بداهة.
فالأحكام الفعلية ثابتة بالنسبة إلى جميع المكلّفين، كما
أنّها ثابتة بالنسبة إلى القادر و العاجز، و لا اختصاص لها بخصوص القادر. نعم،
حيث