في
الحج من فنون الطاعات، و في الحديث انه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط بل من كل
شيء إلّا الصلاة بل في الحديث انه أفضل من الصلاة و الصيام لأن المصلي يشتغل عن
أهله ساعة، و ان الصائم يشتغل عن اهله بياض يوم، و ان الحاج ليشخص بدنه و يضحى
نفسه و ينفق ماله و يطيل الغيبة عن اهله لا في مال يرجوه و لا في تجارة و قد تطابق
العقل و النقل على ان أفضل الأعمال أحمزها و ان الأجر على قدر المشقة و يدل على
أهمية الحج و أفضليته من الصلاة- مضافا الى اشتمال الحج عليها و عدم اشتمالها
عليه- ان الصلاة عبارة عن إحرام صغير يتحقق الشروع فيه بتكبيرة الإحرام المسماة
بها لأجله و الفراغ عنه بالتسليم و لا ينافي ذلك ما ورد في الصلاة من انها عمود
الدين ان قبلت قبل ما سواها و ان ردت رد ما سواها لعدم دلالته على الحصر فتدبر.
و
عمدة ما يختص الحج به مما لا يوجد في غيره أصلا هو الجهة الاجتماعية السياسية
المتحققة فيه فإنه يتضمن اجتماع المسلمين من جميع أقطار العالم على اختلاف ألسنتهم
و ألوانهم و عاداتهم و رسومهم و اختلاف مذاهبهم و هذا الاجتماع العظيم الذي ليس في
الإسلام مثله ممهد لحصول الوحدة و الاتحاد بين المسلمين و تحقق القدرة الكاملة
التي لا يعاد لها أية قدرة في العالم و هذا يتوقف على الارتباط و معاشرة المسلمين
بعضهم مع بعض و البحث عماهم عليه من النقائص و المشكلات و عن طريق رفعها و حلها و
عمدة المشاكل التي اقترنت بهم و قلدتهم هي مشكلة الحكومات التي يدعون بالظاهر
الإسلام و يتظاهرون به و في الباطن ليس فيهم من الإسلام عين و لا اثر و قد
استظهروا بالحكومات القوية المستعمرة المسيطرة على العالم و يطيعونها بكل طاعة بل
يعبدونها كعبد ذليل و لا يتخلفون عن أوامرهم و نواهيهم بوجه أصلا.
و
قد صار هذا الاستعمار الوسيع سببا للمنع عن اجتماع المسلمين و إظهار اتحادهم و
حصول تجمعهم في المعابر و الأمكنة و في هذا الزمان الذي اكتب هذه السطور لم يمض من
حادثة مكة المكرمة- التي قد قتل فيها قرب مسجد الحرام أزيد