ثانياً: إن المسلّم في التاريخ أنه لم يوجد بين الفقراء المهاجرين ابن سبيل.
فابن
السبيل هو المسافر الذي ليس فقيراً في الواقع ولكن تقطعت به السبل، ويحتاج لذلك
مساعدة ليعود إلى محل استقراره، لا أنه كان قد قرر أن يستقر في مكان في طريق سفره،
فإن كان فقيراً كذلك فيحمل عنوان الفقير، ولا يمكن القول أن يحمل شخص ما عنوان ابن
السبيل وكذلك عنوان الفقير معاً.
والفقراء
المهاجرون كانوا ممن هجّروا من بيوتهم وأملاكهم، وأتوا إلى المدينة ليستقروا فيها،
حيث أعطاهم أهل المدينة مكاناً للاستقرار ودعموهم وحموهم، ولم يكن أي واحد منهم
يحمل عنوان ابن السبيل.
بناء
على هذا فإن قوله تعالى: (للفقراء) حتى لو أمكن أن يكون بدلًا لذي القربى واليتامى
والمساكين ولكنه لا يمكن أن يكون بدلًا (لابن السبيل).
ما
ذكره العلّامة الطباطبائي:
ذكر
العلامة الطباطبائي في ذيل تفسيره للآية الثامنة من سورة الحشر ما يلي: (والأنسب ... أن يكون قوله: (للفقراء المهاجرين) بيان مصداق لصرف
رسول الله
الذي
أشير إليه بقوله (فلله) لا بأن يكون (للفقراء المهاجرين) أحد السهماء في الفيء،
بل بأن يكون صرفه فيهم وإعطاؤهم إياه صرفاً له في سبيل الله) [1].
إذ
في رأيه أن الله عز وجل الذي جعل الفيء بتصرف رسوله (ص) وألزمه (ص) صرفه في سبيل
الله وسائر الموارد المذكورة، فإنه سبحانه وتعالى لم يذكر هؤلاء الفقراء المهاجرين
كعنوان خاص، بل وجّه رسوله وأرشده إلى أحد مصاديق سبيل الله حيث يمكن أن يكونوا
الفقراء المهاجرين.
[1] الميزان في تفسير القرآن، ج 19/ 204- 205،
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ..