نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 6 صفحه : 94
>كتاب آداب السّفر< و هو الكتاب السابع من ربع العادات من كتب إحياء العلوم >بسم اللّه الرحمن الرحيم< الحمد للّٰه الذي فتح بصائر أوليائه بالحكم و العبر،و استخلص هممهم لمشاهدة عجائب صنعه في الحضر و السفر،فأصبحوا راضين بمجاري القدر،منزهين قلوبهم عن التلفت إلى منتزهات البصر،إلا على سبيل الاعتبار بما يسح في مسارح النظر،و مجاري الفكر،فاستوى عندهم البر و البحر،و السهل و الوعر،و البدو و الحضر،و الصلاة على محمد سيد البشر،و على آله و صحبه المقتفين لآثاره في الأخلاق و السير،و سلم كثيرا أما بعد:فإن السفر وسيلة إلى الخلاص عن مهروب عنه،أو الوصول إلى مطلوب و مرغوب فيه،و السفر سفران:سفر بظاهر البدن عن المستقر و الوطن إلى الصحاري و الفلوات،و سفر بسير القلب عن أسفل السافلين إلى ملكوت السموات،و أشرف السفرين السفر الباطن، فإن الواقف على الحالة التي نشأ عليها عقيب الولادة الجامد على ما تلقفه بالتقليد من الآباء و الأجداد،لازم درجة القصور،و قانع بمرتبة النقص،و مستبدل بمتسع قضاء جنة عرضها السموات و الأرض ظلمة السجن،و ضيق الحبس،و لقد صدق القائل و لم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام إلا أن هذا السفر لما كان مقتحمه في خطب خطير،لم يستغن فيه عن دليل و خفير فاقتضى غموض السبيل،و فقد الخفير و الدليل،و قناعة السالكين عن الحظ الجزيل بالنصيب النازل القليل،اندرس مسالكه فانقطع فيه الرفاق و خلا عن الطائفين،منتزهات الأنفس و الملكوت و الآفاق،و إليه دعا اللّه سبحانه بقوله: سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ [1]