responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 14  صفحه : 34

كلهم على ترك التوكل،و هو من أعلى المقامات،إن كان أمثال هذا من شروط التوكل فإن قلت:فلم نهى عن الخروج من البلد الذي فيه الوباء.و سبب الوباء في الطلب الهواء، و أظهر طرق التداوي الفرار من المضر،و الهواء هو المضر،فلم لم يرخص فيه؟ فاعلم أنه لا خلاف في أن الفرار عن المضر غير منهي عنه،إذ الحجامة و الفصد فرار من المضر،و ترك التوكل في أمثال هذا مباح و هذا لا يدل على المقصود.و لكن الذي ينقدح فيه و العلم عند اللّه تعالى،أن الهواء لا يضر من حيث إنه يلاقى ظاهر البدن،بل من حيث دوام الاستنشاق له.فإنه إذا كان فيه عفونة،و وصل إلى الرئة و القلب و باطن،الأحشاء أثر فيها بطول الاستنشاق،فلا يظهر الوباء على الظاهر إلا بعد طول التأثير في الباطن.

فالخروج من البلد لا يخلص غالبا من الأثر الذي استحكم من قبل.و لكن يتوهم الخلاص، فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقى و الطيرة و غيرهما.و لو تجرد هذا المعنى لكان مناقضا للتوكل،و لم يكن منهيا عنه.و لكن صار منهيا عنه لأنه انضاف إليه أمر آخر، و هو أنه لو رخص للأصحاء في الخروج لما بقي في البلد إلا المرضى الذين أقعدهم الطاعون، فانكسرت قلوبهم،و فقدوا المتعهدين، و لم يبق في البلد من يسقيهم الماء و يطعمهم الطعام، و هم يعجزون عن مباشرتهما بأنفسهم،فيكون ذلك سعيا في إهلاكهم تحقيقا.و خلاصهم منتظر،كما أن خلاص الأصحاء منتظر.فلو أقاموا لم تكن الإقامة قاطعة بالموت،و لو خرجوا لم يكن الخروج قاطعا بالخلاص،و هو قاطع في إهلاك الباقين.و المسلمون كالبنيان يشد بعضه بعضا.و المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى إليه سائر أعضائه فهذا هو الذي ينقدح عندنا في تعليل النهي.و ينعكس هذا فيمن لم يقدم بعد على البلد، فإنه لم يؤثر الهواء في باطنهم،و لا بأهل البلد حاجة إليهم. نعم لو لم يبق بالبلد إلا مطعونون و افتقروا إلى المتعهدين،و قدم عليهم قوم،فربما كان ينقدح استحباب الدخول هاهنا لأجل الإعانة،و لا ينهى عن الدخول لأنه تعرض لضرر موهوم على رجاء دفع ضرر عن بقية المسلمين،و بهذا[1]شبه الفرار من الطاعون في بعض الأخبار بالفرار من الزحف لأن فيه

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 14  صفحه : 34
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست