responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 12  صفحه : 118

الطرف الثاني
في أصناف النعم في خلق الإرادات

اعلم أنه لو خلق لك البصر حتى تدرك به الغذاء من بعد،و لم يخلق لك ميل في الطبع و شوق إليه،و شهوة له تستحثك على الحركة،لكان البصر معطلا.فكم من مريض يرى الطعام و هو أنفع الأشياء له،و قد سقطت شهوته فلا يتناوله،فيبقى البصر و الإدراك معطلا في حقه.فاضطررت إلى أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك،يسمى شهوة،و نفرة عما يخالفك،تسمى كراهة،لتطلب بالشهوة،و تهرب بالكراهة.فخلق اللّه تعالى فيك شهوة الطعام،و سلطها عليك،و وكلها بك،كالمتقاضي الذي يضطرك إلى التناول،حتى تتناول و تغتذي،فتبقى بالغذاء.و هذا مما يشاركك فيه الحيوانات دون النبات ثم هذه الشهوة لو لم تسكن إذا أخذت مقدار الحاجة ،أسرفت و أهلكت نفسك.

فخلق اللّه لك الكراهة عند الشبع،لتترك الأكل بها،لا كالزرع،فإنه لا يزال يجتذب الماء إذا انصب في أسفله حتى يفسد،فيحتاج إلى آدمى يقدر غذاءه بقدر الحاجة،فيسقيه مرة و يقطع عنه الماء أخرى.و كما خلقت لك هذه الشهوة حتى تأكل فيبقى به بدنك،خلق لك شهوة الجماع،حتى تجامع فيبقى به نسلك.و لو قصصنا عليك عجائب صنع اللّه تعالى في خلق الرحم،و خلق دم الحيض،و تأليف الجنين من المني و دم الحيض،و كيفية خلق الأنثيين و العروق السالكة إليها من الفقار الذي هو مستقر النطفة ،و كيفية انصباب ماء المرأة من الترائب بواسطة العروق،و كيفية انقسام مقعر الرحم إلى قوالب تقع النطفة في بعضها فتتشكل بشكل الذكور،و تقع في بعضها فتتشكل بشكل الإناث،و كيفية إدارتها في أطوار خلقها مضغة و علقة،ثم عظما و لحما و دما،و كيفية قسمة أجزائها إلى رأس،و يد،و رجل و بطن، و ظهر،و سائر الأعضاء،لقضيت من أنواع نعم اللّه تعالى عليك في مبدأ خلقك كل العجب،فضلا عما تراه الآن.و لكنا لسنا نريد أن نتعرض إلا لنعم اللّه تعالى في الأكل وحده كى لا يطول الكلام فإذا شهوة الطعام أحد ضروب الإرادات،و ذلك لا يكفيك،فإنه تأتيك المهلكات من الجوانب.فلو لم يخلق فيك الغضب الذي به تدفع كل ما يضادك و لا يوافقك،لبقيت عرضة للآفات،و لأخذ منك كل ما حصلته من الغذاء.فإن كل واحد يشتهي ما في يديك،فتحتاج

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 12  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست